على رغم المساعي الحثيثة التي يبذلها المبعوث الخاص للرئيس الروسي الى الشرق الاوسط ميخائيل بوغدانوف في شأن الأزمة السورية، فإنّ تفاؤلَ دوائر القرار في موسكو لا يزال حذراً.
جولة بوغدانوف المكوكية في المنطقة جاءت بإيعاز الكرَملين لإحداث خرق في جدار الازمة السورية في ظلّ انسداد أفق الحوار مع واشنطن، وذلك في محاولة لإثبات صوابية المواقف الروسية، والدفع في اتجاه إعادة التشاور مع واشنطن وبروكسل ليس في الأزمة السورية فحسب، بل في كلّ المسائل العالقة مع الغرب، وفي مقدّمها الأزمة الأوكرانية.
في الوقت الذي كان بوغدانوف يجول ما بين بيروت واسطنبول ودمشق، بدأت أروقة الخارجية الروسية تعدّ العدة لإجتماع موسّع تحت شعار دعم «مصالحات دو ميستورا»، وذلك تمهيداً لجَمع ممثلي الحكومة والمعارضة على طاولة تشاورية للبحث في بنود «جنيف 1»، لطرحها مجدّداً في مؤتمر «جنيف 3»، إذا ما تمكّنت الجهود الديبلوماسية من تقريب وجهات النظر الاقليمية والدولية حيال إعادة إحياء نسخة جنيف الاولى.
ولا شك في أنّ تأييد الرئيس بشار الاسد الجهود الروسية، يشكل محطة مهمة على طريق تسوية الازمة، ويُعتبر مؤشراً واضحاً الى أنّ ما توصّل اليه بوغدانوف في لقاءاته مع المعارضة في اسطنبول يرضي النظام السوري، ما يعني أنّ جَمْع طرفَي الازمة على ورقة عمل موحّدة في موسكو كخطوة أولى بات أمراً واقعاً، ولو أنّ العوامل الخارجية كانت أقلّ تأثيراً بالأزمة.
فليس خفياً أنّ كثرة تعقيدات الازمة السورية قد وزّعت مفاتيح الحلّ على مجموعة عواصم عربية وإقليمية ودولية، ولا شكّ أيضاً في أنّ موسكو تملك أحد المفاتيح المهمة، ولكنّه ليس كافياً لفتح أبواب الحلّ على مصراعيه في ظلّ غياب المفتاح الأميركي.
أوساط الخارجية الروسية تؤكّد أنّ مشاورات بوغدانوف لا تزال في بدايتها، وأنّ ما حققه حتى الآن من خلال اتصالاته هو توافق مبدئي على إسقاط الخيار العسكري، وضرورة العودة الى العملية التفاوضية.
وتكشف الأوساط أنّ بوغدانوف يحاول إقناع طرفَي الأزمة بفتح النقاشات في ملفات عدة مباشرة ومنها وقف المواجهات العسكرية ومكافحة الارهاب، وتأليف سلطة انتقالية. وتشير الى أنّ الرهان الدولي على الحراك الروسي أصبح كبيراً، وأنّ موسكو قد تلقت إشارات إيجابية دعماً لجهودها من عواصم عدة فاعلة.
وتؤكد أنّ بعض الأطراف يُحاول عرقلة المساعي الديبلوماسية الروسية في شأن تسوية الأزمة، لافتة إلى أنّ مشروع القرار الأخير لمجلس الشيوخ الاميركي الذي يجيز للرئيس باراك اوباما فرض عقوبات على روسيا وتسليح المعارضة السورية، والنظام الاوكراني، موجّه لنسف كل الجهود الرامية الى حلّ الأزمة سياسياً.
وبالتالي فإنّ توريد الأسلحة الى سوريا في هذه الظروف بالذات، سيكون بمثابة ضخّ دم جديد للتنظيمات الإرهابية المتطرّفة، لأنّ أحداً لا يستطيع ضمان عدم وصول تلك الأسلحة الى أيدي الإرهابيين كما حصل في مرات سابقة.
وتأمل الأوساط أن تُدرك المعارضة خطورة حصول التنظيمات على الأسلحة، لأنّ ذلك سيوسّع رقعة انتشارها في المناطق التي تسيطر عليها. وترى أنّ تجربة المعارضة السورية المسلّحة مع الأميركيّين مليئة بخيبات الأمل، نظراً إلى عدم تحقيق الوعود التي قطعتها الادارة الاميركية مراراً وتكراراً. لذلك فإنّ التركيز على الحلّ السياسي وإسقاط الخيار العسكري كان دائماً المحور الأساس في كلّ اللقاءات التي عقدها الديبلوماسيون الروس مع أطراف الأزمة السورية.
وتعتبر الأوساط أنّ الأيام القليلة المقبلة ستكشف في وضوح كلّ ما توصّل اليه بوغدانوف، ولم تستبعد أن يجول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قريباً على عدد من العواصم المعنية والمؤثرة في الساحة السورية، وذلك في حال تمكّن بوغدانوف من تقديم رؤية أولية مقنعة بإمكان التوصل الى حوار جدّي ومثمر وبنّاء.