عندما كان النزاع على أشده بين العرب واسرائيل قرّرت قمة عربية توقيع “معاهدة الدفاع المشترك”، وعندما تمّ توقيع اتفاق سلام بين اسرائيل ومصر ومن ثم مع الأردن تحوّلت تلك المعاهدة حبراً على ورق إن لم يكن لفشل في تطبيقها، إما لأن قرارات الجامعة العربية إذا لم تتخذ بالاجماع تبقى غير ملزمة، وإما لأن اتفاق سلام عقد مع مصر أكبر دولة عربية فأخرجها من الحرب. فهل يكون مصير تشكيل قوّة عربية مشتركة لحماية الأمن القومي العربي الذي اتخذ قمة شرم الشيخ في آذار الماضي كمصير “معاهدة الدفاع المشترك”، إما العجز عن استخدام القوّة العربية المشتركة إذا ما تم الاتفاق على تشكيلها، وإما لانتفاء الأسباب التي دعت الى تشكيلها عندما تحلّ الأزمات التي تعصف بدول المنطقة بعد التوصل الى توقيع الاتفاق النووي الايراني، أو التوصل الى حلّ سياسي في اليمن بتفاهم ايراني – سعودي؟
يقول ديبلوماسي عربي إن تشكيل قوّة عربية مشتركة ليس بالأمر السهل، وكذلك الاتفاق على أسباب استخدامها في دولة عربية بناء على طلب السلطة الشرعية فيها ولقمع ثورة تتصدى لها، الأمر الذي يثير خلافاً بين الدول المشاركة في هذه القوّة إذا ما انقسمت بين مؤيد لدعم السلطة ومؤيد للثورة ضدّها، وهذا يحتاج إلى نظام يحدّد الحالات التي تسمح باستخدام هذه القوّة، وهل لمجرد أن تطلب أي سلطة شرعية ذلك حتى لو كانت أكثرية الشعب ضدها؟
من السابق لأوانه البحث في التفاصيل ما دام تشكيل القوّة المشتركة يحتاج إلى وقت وإلى مزيد من البحث والتشاور لمعرفة مَنْ من الدول يشارك في هذه القوّة لأن المشاركة اختيارية وليست ملزمة، وأنه بعد الاتفاق على تشكيلها ومعرفة عدد الدول التي ستشارك فيها، لا بد من الاتفاق على ما هو أهم وهو تحديد الحالات التي تستدعي تدخل هذه القوة، هل لمجرد طلب من سلطة قائمة أو نظام قائم، أم أن الهدف هو حماية أمن الدولة من عدوان خارجي، وليس حماية السلطة أو النظام من ثورة داخلية أو تمرّد؟
ويرى الديبلوماسي نفسه أن ما يمكن التوصل اليه هو الاتفاق على حماية كل سلطة شرعية قامت نتيجة لانتخابات حرّة نزيهة من تمرّد عليها كي تبقى الديموقراطية وحدها هي السبيل السليم لبلوغ السلطة وليس بمجرد قيام مجموعة مسلحة بتمويل خارجي له غاية في قلب السلطة خدمة لمصالحه.
لذلك، فإن تشكيل قوّة عربية مشتركة في الظرف الراهن يهدف الى التصدي للارهاب لأن طيران التحالف الدولي قد لا يكون كافياً ولا بدّ من قوة برية مشتركة تتواجد على الأرض ومن الأسهل أن تكون عربية وليست دولية. والهدف الآخر هو وضع حدّ لدور المجموعات المسلحة غير الشرعية والميليشيات داخل أي دولة ترمي إلى زعزعة الاستقرار فيها ومحاولة الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح غير الشرعي وتحقيقاً لأهداف مَنْ وراءها، خصوصاً عندما تأتي نتائج الانتخابات النيابية في غير مصلحتها.
ويمكن من جهة أخرى تشكيل هذه القوّة لتكون وسيلة ضغط على اسرائيل بحيث تقبل على مفاوضات السلام بنية حسنة وارادة صادقة توصلاً إلى اتفاق شامل ينهي النزاع المزمن بينها وبين الفلسطينيين والدول العربية، لا أن تظل هذه المفاوضات تدور في حلقة مفرغة بفعل القوّة العسكرية الاسرائيلية المتفوقة والتي لا تقابلها قوّة عربية مماثلة بل تفكك عربي وتشرذم فلسطيني.
لكن كما أن “ميثاق التضامن العربي” و”معاهدة الدفاع العربي” لم يطبقا عندما عقدت اسرائيل اتفاق سلام منفرداً مع مصر ثم مع الاردن وأخرجتهما من الحرب ضدها، وبعدما نجحت اسرائيل في عقد اتفاقات سلام منفردة، فان أسباب تشكيل قوّة عربية مشتركة قد تنتفي أيضاً إذا ما فتح توقيع الاتفاق النووي الايراني أبواب التفاهمات والمصالحات بين دول المنطقة، لتصبح كافية وقادرة على ضرب الارهاب ومنع إحياء أسبابه، وجعل النظام الديموقراطي هو الذي يحكم كل دولة في المنطقة في إطار وحدة داخلية قوية، أو في إطار نظام فيديرالي أو كونفيديرالي. كما أن صدور القرار عن مجلس الأمن الدولي حول الحرب الدائرة في اليمن قد يفتح الباب لحوار ينتهي بالاتفاق على حل سياسي عادل ومتوازن يعيد كل دولة متدخلة فيها إلى داخل حدودها، ويكون هذا الحل منطلقاً لإيجاد حلول في سوريا والعراق وليبيا فتنعم المنطقة عندئذ بالأمن والسلام ولا تعود ثمة حاجة إلى وجود تحالف عربي يتدخل حيث يجب التدخل، ولا إلى وجود قوّة عربية مشتركة.
أما إذا لم يفتح التوقيع على الاتفاق النووي ولا قرار مجلس الامن الدولي حول اليمن أبواب الحل للأزمات التي تعصف بعدد من دول المنطقة، فإن الانقسام فيها بين معسكرين أو محورين يتصارعان يصبح أمراً محتوماً، وتشكيل القوّة العربية المشتركة يصبح ضرورة، والصراع بين المحورين قد لا ينتهي إلا بتقسيم دول المنطقة وتقاسمها وهو ما يخدم اسرائيل ويجعلها تطمئن إلى استمرار وجودها وهي تتفرج على العرب يقتلون بعضهم بعضاً، أو يقاتلون الفرس.