Site icon IMLebanon

هل يُغيّر تحرُّك ٢٩ أيلول المُعادلة القائمة؟

تنفذ الهيئات الاقتصادية إعتصاما تحذيريا في ٢٩ أيلول الجاري بهدف التنديد بالوضع السياسي وما آلت إليه حال الإقتصاد. وتأمل الهيئات الاقتصادية من خلال هذا الإعتصام السلمي، أن تؤثّر على الوضع السياسي عبر الضغط لإنتخاب رئيس للجمهورية. فهل يُغيّر هذا التحرّك المُعادلة القائمة؟

إنها صرخة حقّ تقوم بها الهيئات الاقتصادية بعد صرختها العام الماضي. فالوضع الإقتصادي والمالي تدهور بشكل ملحوظ منذ الشغور الرئاسي في أيّار العام ٢٠١٤ مع تراجع كل المؤشرات الإقتصادية، من نمو إقتصادي إلى زيادة في الدين العام مرورا بزيادة البطالة، إقفال العديد من المؤسسات، تردّي الوضع المالي، زيادة العجز… نعم إن صرخة الهيئات الإقتصادية مُحقّة ولكن هل ستلقى صدّى في الأروقة السياسية؟

الجواب هو كلّا، بفضل الإنقسام العامودي للطبقة السياسية والإرتهان الخارجي الذي أصبح يعتبره المُتباهي وساماً على صدره! وبالتالي، من الصعب جدا أن تلقى هذه الصرخة صدى لدى المسؤولين تدفعهم إلى النزول إلى مجلس النواب وإنتخاب رئيس للجمهورية، إقرار قانون إنتخاب وإجراء إصلاحات إقتصادية وإدارية.

لا يوجد كلمات لوصف الضرر الذي يُشكّله الشلّل في المؤسسات الدستورية نتيجة شغور منصب الرئاسة الأولى، خصوصا على الاقتصاد وعلى المالية العامة. لبنان في حاجة إلى العديد من القوانين والقرارات الإقتصادية والمالية وعلى رأسها إقرار الموازنة وتأمين رواتب القطاع العام لشهر كانون الأول من هذا العام.

المُشكلة الإقتصادية ليست جديدة، فلبنان يعيش منذ خروج الجيش السوري، أزمات مُتواصلة تمنع الاقتصاد من الوصول إلى الإستدامة. وإذا كان الوضع الإقتصادي قد تردّى في السنوات الأخيرة، إلا أن بدء تراجع الوضع المالي يُعتبر مؤشرا سلبيا يُنذر ببدء مرحلة خطرة.

الوضع المالي كما هو معروف يعتمد بشكل أساسي على المصارف اللبنانية التي موّلت وما زالت تُموّل عجز ودين الدوّلة. وتأتي تدفقات الرساميل (تحويلات المُغتربين + الإستثمار الأجنبي المُباشر) بالدرجة الثانية. بالنظر إلى مؤشرات القطاع المصرفي، نرى أن الودائع ما زالت تنمو لكن بوتيرة أقلّ من الأعوام الماضية.

وما دام هناك نمو في الودائع، يُمكن إعتبار أن وضع القطاع المصرفي جيد، لكن في اللحظة التي يتحوّل فيها نمو الودائع إلى سلبي يُمكن إعتبار أننا بدأنا مرحلة الإنهيار. وهذا الأمر يُمكن أن يحصل مع إستمرار الوضع السياسي على ما هو عليه من شلّل في المؤسسات الدستورية مما سيدفع إلى مخالفة القوانين للإستمرار في تمويل الدولة.

أما تدفقات الرساميل فهي في تراجع مُستمرّ منذ العام ٢٠١٣ حيث بلغت ١١.٨ مليار دولار أميركي في العام ٢٠١٥. وإذا ما قارنا هذا المبلغ بـ ١٥.١ مليار دولار أميركي عجز الميزان التجاري، نرى أن ميزان المدفوعات في لبنان هو سلبي وبالتالي فإن لبنان يزداد فقراً مع مرور الوقت!

إذا ما نظرنا إلى تحويلات المُغتربين، العامود الثاني في تمويل الإقتصاد، نرى أنها أخذت بالتراجع أيضا تحت تأثير عوامل عدّة منها تراجع أسعار النفط، الركود الإقتصادي العالمي، وقلّة الثقة بالوضع السياسي في لبنان. هذا الأمر أيضا يُمكن إعتباره مؤشرا خطرا للوضع المالي العام.

هذا الواقع لا يُمكن تغييره إلا بتقوية الماكينة الإقتصادية والتي تُمثلها الهيئات الإقتصادية. وهنا تكمن المُشكلة في تحرّك الهيئات الإقتصادية، التي تحتاج تحفيزات من الدولة مثل خفض الضرائب، التشريع وغيرها من خدمات، وبالتالي فإن الضغط على الطبقة السياسية لتغيير الوضع الحالي غير مُتكافئ.

وحدها المصارف اللبنانية قادرة على الضغط على الدولة اللبنانية وذلك بحكم أنها المُموّل الأول لعجز الدولة ودينها العام. وبالتالي فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتق هذه المصارف التي عجزت في السنين الماضية عن فرض إصلاحات إقتصادية وإدارية على الحكومات المُتعاقبة.

وبإعتقادنا إن أي حلّ للوضع الحالي لن يأتي إلا عبر المصارف خصوصا مع دقة المرحلة الحالية. هذا الحل يتضمّن بالطبع إعادة تكوين السلطة السياسية والمالية ويجب أن يتمّ بشكل عقلاني وحكيم لكي لا تُشكّل هذه الخطوة في حدّ ذاتها مسماراً في نعش الكيان اللبناني.

بالعودة إلى تحرّك الهيئات الإقتصادية، يبقى السؤال: إلى ماذا تطّمح الهيئات الإقتصادية في تحركها هذا؟

بحسب التصريح الرسمي، الهدف من هذا التحرّك إيصال الصوت إلى أهل السياسة عن الوضع المُتردي وإطلاق تحذير الى هذه الطبقة. لكن كلنا يعلم أن الهيئات الإقتصادية هي جزء من النسيج اللبناني وبالتالي فهي على الرغم من وحدتها في تحرك ٢٩ الجاري، ستنقسم على التفاصيل. وهذا الأمر سيُشكّل خطرا في حدّ ذاته على الاقتصاد!

لذا يتوجّب على الهيئات الاقتصادية مقاربة هذا الموضوع من وجهة نظر أخرى على أساس قاعدة أن الوضع هو وضع غير طبيعي وبالتالي، فإن الخطوات الواجب إتخاذها يجب أن تكون إستثنائية تمّر عبر خرق للوضع الإقتصادي الراهن. بمعنى أخر يتوجب عليها خلق ديناميكية جديدة لتحفيز النمو الإقتصادي من خلال خطّة جراحية تؤدّي إلى نتائج إيجابية.

على هذا الصعيد نطرح الأسئلة التالية: هل يُمكن عزل الإقتصاد عن السياسة؟ ألا يُمكن للهيئات الإقتصادية تشكيل هيئة للتخطيط الإستراتيجي على الصعيد الوطني في ظل الشلل الحكومي الحاصل؟ ألا يُمكن أن تؤمّن هذه الهيئات صندوقا تعاضديا في ما بينها؟

ألا يوجد حلّ عقلاني لعدم صرف العُمّال اللبنانيين؟ كلها أسئلة برسم الهيئات الاقتصادية التي نُعوّل عليها كثيرا في فصل الإقتصاد عن السياسة وعدم إنتظار الطبقة السياسة لأخذ القرارات عنها.

يبقى القول أن أي تصعيد للهيئات الإقتصادية يجب أن يكون له سقف يُحدّده الحسّ الوطني الذي يتمتع به القيّمون عليها كما والمسؤوليات التي تقع على كاهلها أقلّه من ناحية عدد العائلات التي تعتاش من القطاعات الإقتصادية.

في الختام، لا يسعنا إلا أن ندعو الهيئات الإقتصادية إلى الضغط على المصارف للعب دور أكبر في الضغط على الطبقة السياسية لإنتخاب رئيس للجمهورية لأن في يد هذه المصارف قوة ضغط هائلة لم تستخدمها حتى الساعة.