هل حملت لقاءات ميونيخ جديداً في الاستحقاقات الداخلية؟ إطلالة عربية ودولية مفيدة لسلام لشرح الوضع اللبناني
بدت اللقاءات الثنائية التي عقدها رئيس الحكومة تمام سلام في ميونيخ على هامش مشاركته في مؤتمر الأمن الدولي المنعقد هناك، على قدر من الأهمية، نظرا الى ما اتاحته من إطلالة لرئيس الحكومة اللبناني على الساحة العربية والدولية.
قد تكون المرة الأولى يشارك رئيس الحكومة في مناسبة دولية وحيدا من دون وفد رسمي على مستوى وزاري. حتى المشاركة الإعلامية غابت عن الأيام الثلاثة التي أمضاها سلام في ميونيخ والتي عزيت أسبابها الى سياسة ترشيد الإنفاق التي ينتهجها رئيس الحكومة.
ولكن رغم ذلك، فإن المؤتمر الأمني السنوي الذي يتميز عادة بمشاركة عربية ودولية رفيعة، أتاح لرئيس الحكومة ان يطل من على منبر دولي لتجديد التذكير بالاخطار المحدقة بالوضع اللبناني الداخلي، إنطلاقا من خطرين أساسيين أولهما أزمة اللجوء السوري في ظل إفتقاد لبنان الدعم المالي الدولي لمساعدته على مواجهة تداعياته. والثاني خطر الارهاب الذي يضع البلاد في فوهة البركان المشتعل في المنطقة، فيما لا يجد له سندا لمساعدته في جبه هذا الخطر.
ففي حين يواجه الجيش اللبناني وحيدا خطر الارهاب المتطرف على حدود البلاد والمتمدد الى داخلها، تسير المساعدات العسكرية الموعودة لتجهيزه سير السلحفاة. فبعد مساعدة أميركية أخيرة وصلت امس الى مرفأ بيروت من ضمن اعتماد بقيمة ٢٥ مليون دولار، كشف وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عقب لقائه سلام اول من امس أن اول دفعة من السلاح الفرنسي الممول من الهبة السعودية للجيش ستصل مطلع نيسان المقبل.
لا يمكن تحميل لقاءات سلام في العاصمة البافارية أكثر مما تحتمل لكونها جاءت على هامش مشاركته الى جانب عدد كبير من الشخصيات العربية والدولية في المؤتمر الأمني. لكن تلك اللقاءات، ولا سيما مع وزراء خارجية فرنسا لوران فابيوس وروسيا سيرغي لافروف وإيران محمد جواد ظريف والبحرين خالد بن احمد بن محمد والإمارات عبد الله بن زايد ، قد أفسحت في المجال أمام رئيس الحكومة لعرض الوضع اللبناني من جهة ولا سيما في ظل الاستحقاقات الداخلية التي يواجهها، فضلا عن إستماعه الى المواقف العربية والدولية من تلك الاستحقاقات من جهة أخرى.
فاللقاء مع وزير الخارجية البحريني هو اول اتصال مباشر بين مسؤول لبناني وآخر بحريني على أثر الأزمة التي أثارها الكلام الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله والذي اعتبرته المملكة تدخلا فاضحا في شؤونها الداخلية.
وقد بدا من الكلام الذي ادلى به الديبلوماسي البحريني ان المملكة لم تحّمل لبنان الرسمي تداعيات ذلك الكلام، بدليل تأكيدها عدم المس باللبنانيين المقيمين لديها، وكانت كذلك مناسبة جيدة لسلام لتجديد تأكيده ان موقف نصر الله لا يعبر عن الموقف الرسمي للحكومة اللبنانية.
ويمكن اختصار مدلولات اللقاءات الثنائية الأخرى مع كل من ظريف ولافروف وفابيوس بالآتي:
– إن الدعم الدولي للحكومة ثابت في ظل عدم نضوج المناخ الدولي حيال الاستحقاق الرئاسي في لبنان، فضلا عن تعذّر التوافق الداخلي على مرشح تسوية يمهد لإجراء الانتخابات .وكانت المحادثات مع سلام مناسبة لتجديد الموقف الدولي من استمرار التعامل مع حكومته كممثلة وحيدة للسلطة الشرعية في البلاد.
– ان هذا يعكس بدوره الاهتمام الدولي بالاستقرار السياسي والامني في البلاد ، والأولوية يجب ان تكون للوضع الأمني في مرحلة امرار الوقت حتى نضوج التسويات الدولية حيال الوضع الإقليمي.
– تحديد التنبيه اللبناني من محاذير أزمة اللجوء السوري التي لا تزال تلقي بثقلها في شكل غير مسبوق على الساحة اللبنانية، سياسيا وأمنيا واقتصاديا واجتماعيا.
– التوافق على اهمية تضافر الجهود العربية والدولية لمواجهة الارهاب والمد التكفيري. وقد سمع زائرو سلام أسفا وعتباً لبنانيا للتهميش الذي يتعرض له لبنان في هذا الشأن، وقد فقد ٤ عناصر من جيشه ذبحا وقتلا نتيجة هذا الارهاب، فيما لا يزال ٢٦ عنصرا محتجزين لدى التنظيمات الإرهابية. وهنا كانت دعوة لبنانية واضحة وملحة الى تسليح الجيش وتجهيزه ليتمكن من مواجهة الحملة الإرهابية التي تطاله وتطال البلاد.
– أما في شأن الاستحقاق الرئاسي، فلم يلمس سلام ان ثمة تقدما على هذا الصعيد، لكنه لم يفقد العزم على شرح مخاطر استمرار الشغور الرئاسي أمام محدثيه، ولا سيما منهم الديبلوماسي الإيراني الذي دعاه الى المساعدة على تذليل العقبات من أمام عملية انتخاب الرئيس، مذكرا ظريف بالموقف الإيراني المسهل الذي ساهم في ولادة الحكومة الائتلافية.
لكن حصيلة اللقاءات لا تشي بأن ثمة احتمالاً لحصول خرق سياسي في المشهد الداخلي المأزوم.
أما عبارات التأييد والدعم التي حظي بها سلام في ميونيخ، فأقصى مفاعيلها جرعة دعم دولية لمواجهة الاستحقاقات الداخلية، وأبرزها هذا الأسبوع على طاولة مجلس الوزراء حيث التحدي الذي ينتظر رئيس الحكومة في إثارة مسألة ممارسة الحكومة لصلاحيات رئيس الجمهورية في ظل التعديلات التي ينوي سلام إقتراحها من أجل تفعيل العمل الحكومي.