من منطلق المحافظة على الحراك المدني، لا بدّ من عملية تقويم ضرورية لمنع حرف المسار عن أهدافه، أو دفعه الى تحديد أهداف أخرى لكسب تأييد متزايد من الرأي العام اللبناني، وتفادي السقوط في فخ الفوضى التي تؤدي الى السقوط المريع، وتالياً القضاء على كل أمل في نجاح حراك شعبي ضاغط على السلطة التي أمعنت في الفساد والإهمال لمصالح الناس.
كان جبران تويني من أوائل المنتفضين، وأطلق “نهار الشباب” مساحة تعبير للشباب اللبنانيين من أجل كسر حاجز الخوف أولاً قبل البدء بمسيرة تغيير كان يدرك انها طويلة وشاقة، وان دروبها متعرجة، لكنه كان مؤمناً بقدرة اللبنانيين ورغبتهم في التغيير. كانوا له في المرصاد مراراً، وخصوصاً في زمن الوصاية السورية، التي لم تكتف بالتضييق عليه وملاحقته، بل أوعزت الى أزلام وأجهزة في محاصرة حركته، لأنها كانت تتخوف من أي دعوة الى تغيير يطيحها. وقد شهد جبران نهاية الاحتلالات كلها عن أرض لبنان قبل ان تمتد إليه يد الإجرام.
وفي إرثه الذي نحافظ عليه، تلك الدعوة الى التحرك المدني من أجل التغيير. تغيير الطبقة السياسية، وتجديد الاحزاب، وتطوير الصيغة، وصولا الى دولة مؤسسات تحفظ كرامة الانسان اللبناني الذي عانى كثيراً في عيشه، ودفع الكثير من ضريبة الدم، وهُجِّر، وعُذِّب، وسُجِن، وأُهين…
لكن الدعوة الى التغيير يجب ان تقترن برؤية، لان هدف التغيير ليس “قوم تا اقعد مطرحك”، بل تحقيق استراتيجية بناء الدولة السيدة الحرة المستقلة، التي تلبي طموحات مواطنيها، وتضمن للمقيمين على ارضها حقوقهم الانسانية أسوة بكل دول العالم المتحضر.
وقد بعث “حراك 29 آب” أملاً للبنانيين كثر نزلوا الى الساحات، في إمكان الضغط دفعاً للتغيير ولمحاصرة الفساد. لكن تعدد الحملات من دون تنسيق في ما بينها، ودخول عناصر شغب، قبل عناصر حزبيين يريدون استغلال المناسبة في اطار البحث عن دور لهم في المعادلة، جعلت كثيرين يترددون في التظاهر، وربما نجح سياسيون وأحزاب في إثارة تلك المخاوف لإحباط التحرك.
دفعاً للتغيير ولإعادة كسب التأييد، ينبغي العمل جماعياً، لا بمزيد من التفرقة والانقسام وتشتت المساعي، ومن الضروري تحديد الاهداف والعمل لتحقيقها تباعاً، فالحروب لا تخاض مرة واحدة على كل الجبهات. وينبغي أيضاً الحرص على احترام الاملاك العامة والخاصة، فكل تعدٍ عليها يفقد الحراك صدقية وتأييداً، وما شاهدناه السبت في “زيتونة باي” أثار استياء كثيرين بقدر المؤيدين، وكل انقسام واسع الى هذا الحد، ينذر بمضاعفات سيئة تزداد مع الوقت لتخنق الحراك فينتهي مجرد ذكرى.