IMLebanon

هل ينتزع بوتين مصر من أميركا؟

القمة الأولى بين رئيسي روسيا الاتحادية ومصر فلاديمير بوتين وعبد الفتاح السيسي كانت ناجحة استناداً إلى التقارير الإعلامية الواردة من القاهرة، وما تضمّنته من معلومات عن الحفاوة التي استُقبل بها الأول، وعن الاتفاقات والتفاهمات التي حصلت في مجالات عدة، وأبرزها مذكرة تفاهم لإنشاء محطة نووية في “الضبعة” المصرية لانتاج الكهرباء، واتفاق لتحسين قطاع إنتاج الغاز الطبيعي والاستثمار فيه، وتوافق على انشاء منطقة صناعية روسية في منشأة قناة السويس، واتفاق لتعزيز التعاون العسكري، وآخر لإزالة المعوقات من أمام التبادل التجاري، وثالث لتيسير جهود إقامة منطقة للتجارة الحرّة.

ما هي أسباب نجاحها الذي أتى بعد انهيار العلاقة المصرية – الروسية أيام الرئيس الراحل انور السادات أي قبل عقود، وعدم عودتها إلى سابق عهدها على رغم تحسّنها وعودتها إلى شيء من الطبيعية؟

ضعفت وبشدة العلاقات بين مصر وأميركا بعد إخراج الجيش المصري الرئيس محمد مرسي من السلطة في تموز 2013 وأدى ذلك إلى بداية التحسّن في علاقة القاهرة وموسكو. ذلك أن ثقة الاولى بالمسؤولين الأميركيين بدأت تنخفض جراء علاقتهم التي كانت تتوثّق باطراد مع “الإخوان المسلمين”، وجراء السلوك الانتقادي للرئيس أوباما “للانقلاب”، واجراء تعمُّده تأخير تسليم أسلحة إلى مصر على رغم الاتفاق على صفقاتها من زمان، وكبح المساعدة العسكرية عموماً، وإيقاف الحوار الاستراتيجي الثنائي الوليد. وقد عبّر عن التحسن المذكور أعلاه دعم الكرملين للقيادة المصرية الجديدة بعد “الانقلاب”، وتبادل المسؤولين المصريين والروس عدداً من الزيارات عبّرت القاهرة في أثنائها عن امتنانها لدعم موسكو “ثورة 30 يونيو”. والدعم هذا قدّمه بوتين للسيسي في أثناء زيارته روسيا بقوله له: “قرارك (خوض انتخابات الرئاسة) مسؤول جداً لأنك بواسطته أخذت على عاتقك مسؤولية مصير الشعب المصري. وأنا أتمنى لك الحظ الكبير باسمي وبالنيابة عن الشعب الروسي”.

طبعاً ساهم ذلك في جعل العلاقة المصرية – الأميركية أسوأ، وفي دفع القاهرة إلى إعطاء انطباع أنها بدأت تتّجه نحو موسكو. وبدا ذلك واضحاً عندما وقّع المسؤولون في العاصمتين اتفاقاً قيمته 3,5 مليارات دولار أميركي يقضي بتزويد الروس المصريين أسلحة متنوعة منها طائرات ميغ 29 وطوافات عسكرية م. آي 35 وصواريخ دفاع جوي متطوّرة وذخائر. وكان معروفاً أن تمويل الصفقة تعهدت المملكة العربية السعودية القيام به. كما ساهم في زيادة التبادل التجاري بين البلدين على رغم أن حصة مصر منه طفيفة، وفي زيادة عدد السياح الروس إلى مصر عام 2014 إذ تجاوز الـ3 ملايين. إلى ذلك كله يقول باحثون ومتابعون أميركيون وغربيون لعلاقة مصر وروسيا إن الموقف السلبي للأخيرة من “الإخوان” ساهم بتلاقيه مع موقف مطابق لمصر السيسي في مزيد من التقارب بين الاثنين. فهي تعتبر أنهم ساعدوا المتمردين الإسلاميين عليها في القوقاز. ويقولون ايضاً إن مصر اعتبرت أن أميركا تركتها في عزّ معركتها مع الإرهابيين، وأن شعبها لن ينسى ذلك.

هل يعني ذلك أن روسيا بوتين ستعيد ترسيخ نفوذها ووضعها في مصر على حساب النفوذ الأميركي؟

يقول هؤلاء إن بوتين يتابع الإفادة من الغموض والتناقض في السياسات الغربية حيال الشرق الأوسط. وزيارته مصر أخيراً تأتي في هذا الإطار. لكنهم يقولون في الوقت نفسه إن اقتصادي مصر وروسيا يمران في مرحلة ركود. الثانية بسبب انهيار سعر النفط والعقوبات الغربية عليها جراء ضمّها شبه جزيرة القرم الأوكرانية. والأولى بسبب الفقر والبطالة والتهديد الارهابي المتصاعد والمعارضة الداخلية العنيفة لنظام الحكم. ولذلك لا يعرف أحد اذا كانت زيارة بوتين المذكورة ستسفر عن خطوات واضحة ومحددة، أو ستبقى مجرد كلام. علماً أن مجرد حصولها سيكوِّن انطباعاً لدى العرب أن روسيا ليست معزولة. وقد يدفعه ذلك إلى زيادة زياراته للدول “غير الغربية” أو غير الموالية للغرب في الأشهر المقبلة. لكن هؤلاء يدعون إلى متابعة صفقة السلاح التي وقِّعت ولم تُنفَّذ حتى الآن. فاذا دفعت السعودية ثمنها يكون هناك تغيير ما وإن غير جوهري في موقفها ومصر المستاء من أميركا. وإذا امتنعت عن ذلك تكون وجّهت إلى السيسي إشارة بالتروي في الانعطاف نحو روسيا. كما يلفتون إلى أن على أميركا بدورها أن لا تتخلى عن حليف في وقت الشدّة تلافياً لإعطاء منافسيها فرصة لمحاولة الحلول مكانها. وقد فعلت ذلك مع مصر وإن جزئياً.