ليس معروفاً ما الذي ستؤول اليه أوضاع المنطقة في ظلّ نفض الولايات المتحدة يدها منها وحصر اهتمامها باسترضاء إيران. كان آخر دليل على ذلك كشف ارسالها اربعمئة مليون دولار، نقداً، إلى طهران في اطار تسوية قضايا عالقة بين البلدين منذ سنوات طويلة… او ثمناً لاربع رهائن أميركية اطلقت من السجون الإيرانية في اعقاب توقيع الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني.
هل يتغيّر شيء في الولايات المتحدة بعد انتهاء ولاية باراك أوباما؟ يُحتمل ان يطرأ تغيير على السياسة الاميركية، خصوصاً ان فرص وصول هيلاري كلينتون إلى البيت تزداد يوماً بعد يوم.
ليس ما يشير، اقلّه إلى الآن، إلى ان هناك ما سيمنعها من الوصول إلى الرئاسة، هي التي تعتقد ان لا حاجة إلى مسايرة إيران في أي مكان من العالم ثمناً لالتزامها الاتفاق النووي. تؤمن كلينتون بانّ من مصلحة إيران احترام بنود الاتفاق وليس ما يدعو إلى التغاضي عما ترتكبه لا في العراق ولا في سوريا ولا في البحرين واليمن… ولا في لبنان.
لا يمكن للسياسة الاميركية الّا ان تتغيّر في اتجاه موقف اكثر إنسانية، خصوصاً في سوريا، حيث يتبيّن كلّ يوم ان الشعب فيها عانى الكثير بسبب سياسة قائمة على مراعاة إدارة أوباما لإيران واعتقاد الرئيس الاميركي الحالي انّ في استطاعته التعاون مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقضاء على الإرهاب الممثل بـ»داعش». لم ير أوباما سوى «الإرهاب السنّي» الذي يرمز اليه «داعش». لا يريد ان يرى «الإرهاب الشيعي» الذي ترمز اليه الميليشيات المذهبية التابعة لإيران والمنتشرة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وكادت ان تصل إلى البحرين وحتّى إلى دولة مسالمة مثل الكويت.
من المؤشرات التي تدعو إلى بعض التفاؤل، ان أوباما اكتشف أخيراً ان ليس في الإمكان التخلص من «داعش» من دون التخلص من النظام السوري. ما هذا السرّ الخطير الذي اعلن عنه الرئيس الاميركي في وقت لا يوجد طفل في بلد مثل سوريا او لبنان لا يعرف ان النظام السوري يعتبر، منذ قيامه، المتاجرة بالإرهاب علّة وجوده وغطاء لممارساته الطائفية والمذهبية التي اخذت بعداً جديداً بعد انتصار «الثورة الإسلامية» في إيران والتعاون الجدي بين الجانبين في هذا المجال.
في الواقع، كشفت الحرب العراقية ـ الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات عمق هذا التعاون بعدما أصبحت سوريا القاعدة الخلفية لإيران طوال تلك الحرب التي استنزفت دول المنطقة. كانت تلك الحرب افضل تعبير عن العقم الذي عانى منه النظام الذي أقامه صدّام حسين في العراق من جهة ومدى تورط النظام الإيراني الجديد الذي أقامه آيه الله الخميني في الرهان على اللعبة المذهبية والاستثمار فيها من جهة اخرى.
اذا كانت هيلاري كلينتون، التي ستستفيد إلى حد كبير من الانقسامات داخل الحزب الجمهوري للانتصار على دونالد ترامب، جدّية في انتهاج سياسة مختلفة، ولو نسبياً، في الشرق الاوسط بدل تركه فريسة للميليشيات الإيرانية التي تمنع حتّى بقوة السلاح انتخاب رئيس للبنان، فان نقطة البداية واضحة كلّ الوضوح. لا يمكن التفريق بين ميليشيا وأخرى في الشرق الاوسط كلّه وصولا إلى ليبيا، أي إلى ما هو ابعد من المشرق العربي. بكلام أوضح، لا يمكن ان تكون هناك حرب ناجحة على الإرهاب من دون وضع كلّ المنظمات الإرهابية، بما في ذلك «الحشد الشعبي» في العراق، في سلّة واحدة.
هناك بكل بساطة مشروع توسّعي إيراني يقوم على الاستثمار في اثارة الغرائز المذهبية وتوظيف الميليشيات خدمة لهذا المشروع الذي قضى على العراق وقضى على سوريا ويكاد ان يقضي على لبنان لولا صمود أكثرية الشعب اللبناني ومقاومتها سلاح «حزب الله».
هل تبدأ هيلاري كلينتون من حيث يجب ان تبدأ، أي من المباشرة برفض التفريق بين إرهاب وآخر؟
في النهاية، اذا كانت روسيا معنيّة فعلا بالحرب على الإرهاب، سيكون عليها ان تختار بين بقاء بشّار الأسد ورحيله. لا يمكن قصف مدارس حلب ومستشفياتها تحت ذريعة التصدّي للارهاب «السنّي». لا يمكن باي شكل تجاهل الدور الذي لعبه النظام السوري في خلق «داعش» ولا المساعي الإيرانية للاستفادة من هذه الظاهرة الإرهابية لتغيير الوضع القائم في العراق عن طريق عمليات تطهير ذات طابع مذهبي لمناطق معيّنة بدءاً من بغداد. لم تعد لبغداد علاقة بتلك العاصمة التي تضمّ عراقيين من كلّ الطوائف والمذاهب والطبقات الاجتماعية.
بعد قرن على توقيع اتفاق سايكس ـ بيكو، ستتغيّر المنطقة في العمق. ستتغيّر الخرائط. العراق الذي عرفناه انتهى، كذلك سوريا. لبنان مهدّد شئنا ام ابينا. لا يمكن الاستخفاف باي شكل بان التغييرات ستشمل الاكراد، الشعب الوحيد الذي حرم من دولة… إلى جانب الشعب الفلسطيني طبعا. ولا شكّ ان الموضوع الكردي كان من بين الأسباب التي دعت الرئيس التركي رجب طيّب اردوغان إلى الذهاب لملاقاة فلاديمير بوتين.
أي اميركا في عهد هيلاري كلينتون؟ هل تلعب دوراً في إعادة بعض التوازن إلى الشرق الاوسط عبر سياسة لا تفرّق بين إرهاب وإرهاب، ام تبقى أسيرة سياسة باراك أوباما وسذاجة وزير الخارجية جون كيري الذي لا يريد ان يرى ان ابتسامة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ليست سوى قناع لسياسة اقلّ ما يمكن ان توصف به انّها تعبير عن خبث واحتقار للعرب ليس بعدهما خبث واحتقار…