ليست مستغربة موجة القلق التي داهمت اللبنانيين فجأة، على إيقاع محاولات إعادة لبنان ساحة صراع، وتصفية حسابات بين قوى دولية وأطراف إقليمية، يدفع البلد أثمانها الغالية من أمنه واستقراره، وما بقي من اقتصاده..!
لم يعد ثمة اختلاف بين اللبنانيين في التعامل مع الدولة الصهيونية، كعدو تزعجه الصيغة اللبنانية التي تتناقض مع دعوته ليهودية دولة الاغتصاب، فضلاً عن أطماعه القديمة بالمياه اللبنانية، والمستجد منها مؤخراً في سرقه النفط والغاز من المياه الإقليمية اللبنانية!
لا شك أن كل اللبنانيين يقفون، بكل فخر واعتزاز، إلى جانب الجيش الوطني في التصدّي لأي عدوان إسرائيلي محتمل، ومع كل الخطوات التي تُبقي إمرة التصدّي للاعتداءات الإسرائيلية تحت قيادة الجيش، وليس لدى أية جهة أخرى.
اللبنانيون يريدون أن يكون قرار الحرب مع السلطة الشرعية، وفي إطار المؤسسات الدستورية، من رئاسة جمهورية ومجلس وزراء، ومجلس نواب، عندما تدعو الحاجة إلى قرار وموافقة من السلطة التشريعية.
ولا نذيع سراً إذا قلنا أن اللبنانيين يتابعون بكثير من الترقب والحذر، ارتفاع منسوب التوتر في العلاقات الأميركية – الإيرانية، والتهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، خاصة بعد زيارة بنيامين نتانياهو ومحادثاته المطوّلة في البيت الأبيض، مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وكبار مساعديه، والتي كشفت عن «شهر العسل»، بل والتعاون العميق بين الإدارة الأميركية الجديدة والحكومة الإسرائيلية المعادية لعملية السلام في المنطقة!
وليس خافياً أن القلق اللبناني مردّه إلى تخوف من أن يكون لبنان إحدى ساحات المواجهة غير المباشرة بين أميركا وإيران، من خلال وجود «حزب الله»، ودوره الإقليمي المتنامي وفق الأجندة الإيرانية في المنطقة.
والمفارقة المربكة أن الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله لم يقتصر على التحذيرات والتهديدات التي وجهها لحكومة تل أبيب، بل عاد إلى شن الحملات على دول الخليج العربي، وفي مقدمها المملكة السعودية ودولة الإمارات، في مرحلة أحوج ما يكون فيها لبنان إلى دعم الأشقاء العرب، وخاصة الخليجيين.
لا يهمّ اللبنانيين ما يتردّد في بعض الأوساط، بأن الهجوم على دول الخليج أثناء وجود الرئيس حسن روحاني في الكويت بعد سلطنة عمان، يعكس الخلاف بين الرئيس والحرس الثوري في إيران، لأن الأهم بالنسبة للبنانيين، هو الحفاظ على نتائج السياسة التي اتبعها الرئيس ميشال عون، في إعادة ترميم العلاقات اللبنانية، مع الدول العربية لا سيما دول مجلس التعاون، تمهيداً لاستعادة الثقة بوضع لبنان ضمن المجموعة العربية من جهة، ولإعادة فتح الأبواب الاقتصادية والسياحية والاستثمارية الخليجية على الاقتصاد اللبناني من جهة ثانية.
ليس من مصلحة أحد أن يظهر لبنان وكأن مواقفه تدار برأسين: رسمي وحزبي، الأمر الذي يُشكّل تناقضاً صارخاً مع مصداقية خطاب القسم والتصريحات التي أعلنها الرئيس ميشال عون في زياراته العربية.
هل يستطيع رئيس الجمهورية أن يؤمّن جرعة تطمين وثقة جديدة للداخل والخارج على السواء، تبطل مفعول محاولات جرّ لبنان إلى ساحة تصفية الحسابات بين القوى المتصارعة في الإقليم؟