IMLebanon

هل يقنع جنبلاط دروز السويداء بخياراته؟

أعادت حادثة اغتيال الشيخ وحيد البلعوس في منطقة «السويداء» السورية منذ أيام, الحديث عن تورط الدروز في الأزمة السورية وتأثير موقفهم في الأداء الدّرزي في لبنان وتحديدا موقف النائب وليد جنبلاط المُؤيّد للثورة السورية والداعم لها بوجه النظام السوري الذي يحملّه مسؤولية الاغتيال، كون الشيخ البلعوس هو أحد «مشايخ الكرامة» الذين تحدّوا إرادة النظام السوري – حسب رؤية وليد بك – ورفضوا التورط في القتال ضد «إخوتهم» من الشعب السوري وهو ما دفع بأجهزة الاستخبارات السورية الى التخطيط لتنفيذ عملية الاغتيال للتخلص من «عبء» الدور الذي قام به الشيخ البلعوس مؤخّرا، ودوما حسب رواية وليد بك!

تقول مصادر درزية مناؤئة ومعارضة لطروحات جنبلاط تحديدا في الأزمة السورية، إن الحزب التقدمي الاشتراكي عبر «المشهدية» التي نظّمها في دار الطائفة الدرزية في فردان وتبنيه خطاباً – أقل ما يقال عنه – إنه تحريضي ضد الدولة السورية وتأليب أهالي السويداء على الانتفاضة في وجه النظام تحت حجة حماية وجودهم كأقلية مُهدّدة في تلك المنطقة، يفتح المجال أمام المواقف المتناقضة داخل الطائفة الدرزية بالنسبة للوضع في سوريا وتحديدا للدور الدّرزي فيها، وإن كان النائب جنبلاط قد حاول أن يخفّف من وطأة التناقض الحاصل داخل أبناء الطائفة عندما أعلن عن «تفهمه» لموقف النائب طلال إرسلان الذي يتناقض بالمطلق مع موقفه الذي يحمّل النظام مسؤولية الاغتيال، والتي هي في رأي الطرف الاخر لا تخدم مصلحة النظام بل على العكس تلقي بظلال سلبية على الوضع في السويداء الذي يُعتَبر نقطة مهمة تَحسم من خلال تموضعها لجانب اي طرف الكثير من الأمور العسكرية والسياسية.

وتتابع المصدر الدّرزية بالقول إن دخول النائب وليد جنبلاط على خط اتهام النظام بعملية الاغتيال بشكل مباشر إنما ينعكس على الوضع الداخلي للطائفة الدرزية التي تشهد انقساما حول رؤيتها لما يجري هناك وتحديدا في جبل العرب، ويترجم هذه المخاوف موقف الوزيرين طلال أرسلان ووئام وهاب اللذين يصفان ما يجري من أحداث سابقة وحالية في المناطق الدرزية في سوريا بالمخطط الذي يجرّهم في التخطيط لتقسيم سوريا عبر الترويج لنظرية «الإدارة الذاتية» والتي تضمّ عدداً من المناطق الدرزية، وهو ما يخدم الرغبة الإسرائيلية بالتعاون مع بعض الدول الإقليمية، وفي المقابل ترفضه شريحة كبيرة من دروز سوريا ولبنان التي لا ترى أمانا لطائفة الموحّدين سوى بالبقاء ضمن النسيج السوري الموحّد وليس خارج سلطة الدولة السورية.

أما الخلاف الثاني تقول المصادر، الذي طرحه النائب وليد جنبلاط في كلمة التأبين – وإن وضعها في خانة التنظيم – فهو مع حزب الله الذي ينخرط مباشرة بالقتال في سوريا حيث تمّ الاتفاق سابقا بينهما على ضرورة تحييد دروز سوريا عن أي مواجهة مباشرة مع المقاومة نظرا للتأثير المباشر في دروز لبنان، وهو ما دفع النائب وليد جنبلاط الى إعادة التذكير بذلك ، وقد علّق محللون على الطريقة التي تناول بها جنبلاط موقف الأمير طلال إرسلان وحزب الله تجاه ما يجري في سوريا «بالخلاف المنظّم» في إشارة إلى عدم الرغبة في رفع وتيرة التحدي معهما حفاظا على العلاقة «المضبوطة» مع حزب الله حاليا. ولكن الأمر لم يكن بالوتيرة نفسها في ما يخص الاتهامات التي أطلقها تجاه النظام السوري ودعوته أهالي السويداء إلى «الثورة» والإنتفاضة وهي دعوات تتلاقى مع طروحات غربية وإقليمية تعمد إلى تقسيم سوريا وتتعلق من جهة ثانية بصياغة «الزعامة الدرزية» من جبل العرب في سوريا إلى جبل الشوف في لبنان وهو ما يفتح باب التساؤل حول مصير الدروز «كأقلية» فاعلة على الساحتين اللبنانية والسورية.

هل يحاول النائب وليد جنبلاط أن «يستنسخ» التجربة الدرزية اللبنانية لتطبيقها في المنطقة الدرزية السورية، وهل يعمل على تحويل دروز السويداء إلى «بيضة قبّان» لحسم أمور عسكرية على الأرض لمصلحة المعارضة على غرار ما يحاول وليد جنبلاط أن يفرضه على الواقع السياسي في لبنان؟ تجيب مصادر سياسية مطّلعة على الوضع الدرزي في لبنان بالقول، إن وليد جنبلاط يحاول منذ مدة ان يربط مصير الدروز في السويداء بوضع الدروز في لبنان، وقد حاول عبر وسطاء كثر أرسلهم إلى بعض الدول الاقليمية التقوا خلالها بعض مشايخ المنطقة الدرزية السورية «لِزجّهم» في المحور الذي يتخندق به ويتوافق مع توجهاته الداعمة لما يسمى بالثورة السورية وجعل دروز سوريا جزءاً من هذا المشروع تحت حجّة حماية الوجود كأقلية متواجدة في منطقة يسيطر عليها النظام نسبيا، في المقلب الآخر يبدو هذا الأمر مغايراً تماما لتوجه الأقطاب الدرزية الأخرى وتحديدا طلال إرسلان – الذي قاطع عملية التأبين – كونها تحمّل النظام السوري مسؤولية الاغتيال وأيضا موقف الوزير السابق وئام وهاب الذي يقف بشكل مواجه تماما لكل ما يطرحه وليد بك في الداخل اللبناني وفي الأزمة السورية، وقد كان لهما مواجهة حادّة جدا في حادثة «قلب لوزة» التي وقع ضحيتها العديد من الشهداء على أيدي جبهة النُصرة – أصدقاء وليد بك – الذي وصف الحادث بالإشكال الفردي ودعا إلى التعقل وعدم التهور بردّة الفعل التي طالب رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب بأن تكون مسلّحة لمقاتلة هذه الجماعات التي تهدّد وتبتّز الدروز في منطقة السويداء – بعكس ما يحاول وليد بك ترويجه بأن الخطر هو في النظام وليس في «الثوار» الذين يحاربون من أجل «نُصرة» الشعب السوري المظلوم وبالتالي يجب مساندتهم!

تختم المصادر الدرزية المتابعة بالقول إن موقف وليد جنبلاط من حادثة اغتيال الشيخ البلعوس سوف يكرّس الانقسام الواضح داخل الطائفة الدرزية بخصوص الموقف من الأزمة السورية، وما اسماه عملية «تنظيم الخلاف» مع النائب طلال إرسلان بهذا الموضوع سوف يكون محلّ اختبار في المرحلة المقبلة من هذه الأزمة، حيث تتحول الأنظار إلى المنطقة الدرزية أي الجبهة الجنوبية من أجل إحراز اختراق على الأرض يؤثّر بالعاصمة دمشق، بعدما فشلت لغاية اليوم محاولات التقدم على الجهة الغربية عبر جبهة الزبداني، وبالنتيجة سوف تكون المنطقة الدّرزية في سوريا في قلب التجاذبات الإقليمية لتنفيذ مخططات مختلفة تُرسم للمشهد السوري ككل، فهل يستطيع وليد بك أن يبعد شبح تأثير هذا المخطط في التماسك الداخلي للطائفة الدرزية، التي استطاعت مهما ارتفع سقف التناقض بينها أن تنظّم خلافها وهي «النظرية» التي انطلق منها جنبلاط بالأمس، وهل في نجح بتحويل دروز سوريا – كما في لبنان – إلى «بيضة قبّان» في الصراع الدائر، أم أن كل طرف درزي سوف يتخندق في مكانه ويحجز موقعه في المواجهة الإقليمية الكبرى؟