أمضى البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، أمس، بضع ساعات في بكركي لوَضع اللمسات الأخيرة واستكمال الإتصالات مع الإكليروس والأحزاب المسيحية بغية التحضير لجمع الأقطاب الموارنة الأربعة.
تستمرّ البطريركيّة المارونية في مساعيها الهادفة الى إيجاد أرضيّة مشتركة والتحضير لتفاهم ماروني – ماروني يسهّل انتخاب رئيس الجمهورية، خصوصاً أنّ الأرضية باتت مهيّئة أكثر من السابق لهكذا اتفاق، بعد ورقة «إعلان النوايا» الموقّعة بين «القوّات اللبنانية» و«التيار الوطني الحرّ».
لم يمنع فشل لقاء الأقطاب سابقاً من المحاولة مجدّداً، مع العلم أنّ أزمة لبنان لا تقتصر على المسيحيين فقط، بل إنّ الجميع شركاء فيها، ولها ارتباطات خارجيّة، لكنّ ذلك لا يُعفي المسيحيّين من مسؤولياتهم للولوج إلى تفاهمات لبنانية.
ويتلخّص جدول أعمال اجتماع الاقطاب الموارنة الأربعة، أي رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، والرئيس أمين الجميل، ورئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية، بعبارة واحدة وَضعها البطريرك الراعي وهي: «ماذا يجب أن نفعل لننقذ البلد؟».
أمّا حَصر اللقاء بالأقطاب الأربعة وعدم مشاركة شخصيات مسيحيّة أخرى، فيَعود، بحسب أوساط بكركي، الى أنّ «هؤلاء الأربعة بدأوا حواراً في ما بينهم منذ العام 2011، واستكملوه في لقاءات عقدت في بكركي على رغم عدم توصّلهم الى حلول أساسيّة، وهم يمثّلون الشريحة الأكبر من المسيحيين ولهم كتَل نيابية ووزارية»، معتبرة أنّ «توسيع اللقاء قد لا يفيد في هذه المرحلة لأنّ الحديث مع أربعة أقطاب أسهل».
لم يُحسم بعد مكان انعقاد اللقاء، سواء في المقرّ الصيفي في الديمان أو في بكركي، مع ترجيح احتمال بكركي، وتؤكد أوساط البطريركية لـ«الجمهوريّة» أنّ «الاجتماع سيأخذ طابعاً حوارياً، وسيكون أقرب الى طاولة حوار مارونية تضع الجميع أمام مسؤولياتهم، خصوصاً أننا نعيش الفراغ الرئاسي منذ 25 أيار 2014، وكل المبادرات التي طرحت لم تؤدِّ الى النتيجة المتوخّاة، فبقيَ الفراغ الساكن الوحيد في قصر بعبدا».
من جهة ثانية، تشدّد أوساط بكركي على أنّ «اللقاء سيطرح كل المشاكل والأزمات التي يعيشها لبنان، من الهاجس الأمني على الحدود الى الأحداث المتنقّلة في وسط بيروت الى الهموم المعيشية والحياتيّة، وصولاً الى التداول في شكل النظام وما يُحكى عن مؤتمر تأسيسي ترفضه البطريركيّة المارونية ومعظم المسيحيين، والتهويل بالمثالثة».
تتحفّظ البطريركية عن تحديد موعد انعقاد اللقاء، حرصاً على أمن الشخصيات، ولإنضاج الاتصالات. مع العِلم انّ هذا اللقاء لن يكون يتيماً، خصوصاً اذا أخذ منحى طاولة حوار مسيحيّة من أجل الخروج بورقة حلّ إنقاذيّة موحّدة، تُعرض على الشركاء في الوطن وتكون خريطة طريق للخروج من الفراغ الرئاسي، وتؤسّس لوضع قانون انتخاب عادل يعيد المسيحيين شركاء حقيقيّين في الوطن، وينهي حقبة التفرّد بالقرار.
سيَطرح كل حزب وتيار هواجسه ونظرته للوضع، ورؤيته لحلّ الأزمة اللبنانية، وستتمّ غربلة الأفكار. ومع أنّ التجارب السابقة لا تشجّع، يبقى على الزعماء الموارنة الحاليين تحمّل مسؤولياتهم، مثل أسلافهم الذين كانوا يضعون مصلحة البلد أولاً على رغم المواجهات السياسيّة.
إذ إنّ الرئيس فؤاد شهاب وضع زعماء المارونية السياسيّة أمام مسؤولياتهم بعد الثورة المسيحيّة المضادة التي قادتها الكتائب اللبنانية ردّاً على ثورة 1958 الإسلامية، فاشترط عميد الكتلة الوطنية ريمون اده أن يدخل مع الشيخ بيار الجميل لإنقاذ الوضع على رغم مخالفتهما الهوى المسيحي في تلك الفترة. أمّا اليوم فإنّ مصلحة لبنان تقتضي اتفاق الأقطاب، والمسيحيون سيباركون خطوتهم، فهل يُقدمون؟
أفكار كثيرة تطرح لحضّ الأقطاب على الإتفاق، لعلّ أبرزها «وأهضَمها» حضور الأقطاب الموارنة الى بكركي وإدخالهم الى غرفة الإجتماع، وإذا لم يتفقوا، يُقفل عليهم الباب ريثما يتفقون… وإذا لم يتفقوا يقطع عنهم الأكل والشرب ليتصاعد الدخان الأبيض من «داخون» بطريركيّة الموارنة.