يمكن القول إن “حزب الله” قد يكون الوحيد بين الاحزاب المرتاحة الى وضعها ما دام السلاح في يدها وما دامت ايران تلعب دورها المؤثر في المنطقة. فالكلمة هي للحزب، ليس في 8 آذار فحسب، بل في أي حكومة يشارك فيها أو يتحكم بقراراتها اذا لم يكن مشاركاً فيها، وهو ما يجعله لا يعترض على مواقف لحلفائه عندما تخالف موقفه لأسباب يتفهمها. لذلك فإنه لم يعترض على مشاركة نواب كتلة “التنمية والتحرير” في الجلسات المخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية، في حين قاطع هو هذه الجلسات واستطاع بمقاطعته إفقاد نصابها وتالياً تعطيل الانتخاب. وخالف الحزب موقف “التيار الوطني الحر” في التمديد لمجلس النواب مرتين، وتأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي، ولو لم يتمّ التوصل الى تسوية للخلاف الحاد الذي حصل حول جدول أعمال جلسة مجلس النواب لكان “حزب الله” حضر الجلسة ولم يتضامن مع حليفه “التيار الوطني الحر” في التغيب عنها احتجاجاً على عدم المباشرة بمناقشة مشروع قانون جديد للانتخابات النيابية. وعلى رغم مواقف الحزب المخالفة لمواقف “التيار الوطني الحر”، وهي عديدة، فإن العماد ميشال عون ظل متضامناً مع الحزب ولم يقابله بالمثل كأن يطلب منه حضور جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأن “الميثاقية” الصحيحة تتحقق مع هذا الانتخاب وليس مع أي أمر آخر. وكان كثير من اللبنانيين ينتظرون من العماد عون أن يقف مع انتخاب الرئيس بالشدة نفسها التي وقفها مع ضرورة إقرار قانون الانتخابات وكأنه يعطي الأولوية لهذا القانون وليس لانتخاب الرئيس كي يتوصل الى تحقيق مطلبه وهو إجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية.
وما دام “حزب الله” يستطيع تعطيل الانتخابات الرئاسية وتعطيل عمل الحكومة وعمل مجلس النواب ساعة يشاء، فإنه قد يعطل جلسة إقرار قانون جديد للانتخابات النيابية اذا لم يكن مقبولاً منه، خصوصاً ان إقراره يحتاج الى موافقة ثلثي عدد النواب وهي الأكثرية التي يحتاج اليها انتخاب رئيس الجمهورية. وقد يوافق الحزب “التيار الوطني الحر” وكرمى له على القانون الذي يرضي “التيار” لأن الحزب لا فرق عنده بين اجراء الانتخابات على أساس أي قانون ما دام السلاح في يده. فإذا فاز الحزب وحلفاؤه بأكثرية المقاعد النيابية يطبق عندئذ الديموقراطية العددية، وهو ما فعله عند تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. واذا لم يفز بهذه الأكثرية فانه يعتبرها أكثرية نيابية وليست أكثرية شعبية، كما فعل مع نتائج انتخابات 2009 كي يستطيع فرض تشكيل حكومة “وحدة وطنية” وليس حكومة الأكثرية النيابية التي تستأثر باتخاذ القرارات المهمة، وقد نجح الحزب في فرض ذلك منذ العام 2005 فجمع الأضداد في مثل هذه الحكومات، وهؤلاء قلّما يجمعون على أي قرار مهم.
لذلك فإن “حزب الله” يستطيع تعطيل إقرار قانون الانتخابات النيابية اذا شاء، كما استطاع تعطيل الانتخابات الرئاسية، اذا لم يكن القانون مقبولاً منه ومن حليفه العماد عون لضمان الفوز بأكثرية المقاعد النيابية، وتالياً انتخاب الرئيس المقبول منهما تحت طائلة تعطيل الانتخابات النيابية كما تعطلت الانتخابات الرئاسية، فكان الشغور الرئاسي، وبعده التمديد الثالث لمجلس النواب، أو الشغور النيابي، وعندها يدخل لبنان مرحلة الفراغ الشامل الذي يعمل له الحزب بحيث لا سبيل للخروج منه إلا بعقد مؤتمر وطني يعيد النظر في دستور الطائف ويسدّ الثغر التي ظهرت فيه من خلال الممارسة.
إن “حزب الله” سيبقى محافظاً على قوته وفاعليته وإن أخلَّ وجود سلاحه بالتوازن الداخلي الى أن ترى ايران ان الوقت قد حان لتطلب من الحزب التخلي عن سلاحه لتقوم عندئذ الدولة القوية العادلة والقادرة على بسط سلطتها وسيادتها على أراضيها فلا تكون سلطة غير سلطتها ولا قانون غير قانونها ولا سلاح غير سلاحها… دولة قادرة على تنفيذ القرار 1701 بكل مندرجاته ولها علاقات طيبة مع كل الدول القريبة والبعيدة، دولة يسودها الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي الدائم والثابت، فمتى تقوم مثل هذه الدولة؟