ليس «تكبيراً للحجر» القول إن لقاء الجمعة الماضي بين الرئيس نبيه بري والوزير جبران باسيل و«تفاهمهما النفطي» أملته رغبات وتمنيات وضغوط بعض عواصم القرار في العالم. يدرك الطرفان أن هذا ملف تتداخل فيه مصالح دول كبرى في العالم والاقليم، وهو أكبر من خلافاتهما على تلزيمات وزارة الأشغال أو قضية مياومي شركة الكهرباء.
الانقشاع المفاجئ للضباب الذي طالما لفّ طريق الرابية ــــ عين التينة سبقه قبل أسبوعين تصريح لباسيل عن هواء غربي يلفح لبنان حاملاً معه نسائم النفط. الرغبات الدولية، بحسب مصادر مطلعة، تندرج في خانة الاهتمام بإبقاء مظلة الاستقرار فوق لبنان تلبية لمصالح دولية قبل أن تكون لبنانية. وهي ليست في معزل عن الرغبات الأميركية بتسوية الخلاف الحدودي البحري بين لبنان واسرائيل وتداخل الحقول البحرية بينهما، لاراحة الشركات الأميركية المهتمة بالاستثمار في البلدين. كما أنها ليست في معزل عن الاهتمام الأوروبي بالنفط والغاز اللبنانيين، ناهيك عن استعادة العلاقات التركية ـــ الاسرائيلية زخمها أخيراً وإمكانات ترجمة هذا الزخم نفطياً وغازياً.
«المصلحة الدولية»
التي عبدت طريق الرابية ـ عين التينة قد تعبّد طريق بعبدا
مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر تؤكّد أن من شأن نجاح «تفاهم عين التينة» وسلوكه السبيلين الوزاري والنيابي واقرار المراسيم النفطية «تثبيت حقوق لبنان السياسية والاقتصادية في النفط والغاز وحماية البلوكات الجنوبية من الأطماع الاسرائيلية، واستعادة ثقة الشركات الغربية بقدرة لبنان على إدارة هذا الملف بعد سنوات من التسويف، والمضي قدماً في الملف وصولاً الى التلزيم في أجواء من الشفافية بما يعطي ضمانة لمستقبل البلد لأن هذا هو الاحتياطي الوحيد المتبقّي لنا». ونفت المصادر وصف التفاهم بين بري وباسيل بالمحاصصة، لافتة الى «المحاصصة تقتضي فتح كل البلوكات للتلزيم، وهذا الأمر لن يحدث. ستفتح خمسة بلوكات، وربما أقل من ذلك، لأسباب اقتصادية وحقوقية وتقنية. وربما ينتهي التلزيم الى بلوك واحد. لا شروط ولا التزامات في الاتفاق. الشرط الوحيد ليمشي هذا الأمر هو أن ينجح لأننا لا نتحمّل في موضوع النفط ارتكاب أخطاء ستكون مكلفة».
داخلياً، بدء سريان الدفء في العلاقات بين الرابية وعين التينة قد يجعل من «التفاهم النفطي» مفصلاً في الحياة السياسية اللبنانية لا يقل أهمية عن غيره من التفاهمات. بحسب مصادر مطّلعة، حرارة العلاقات بين «حليفَي الحليف» اللدودين لا تزال في «درجات معتدلة». لكن يبدو واضحاً في مجالس الطرفين أن شيئاً ما تبدّل في حديث كل منهما عن الآخر، وإن بحذر: باتت الحدّة أقل، وزاد منسوب الكلام عن أهمية التعاون والتنسيق بين بعضهما بعضاً. فيما كلاهما، في تفاهمهما النفطي المستجدّ، يتفيآن مظلة مقاومة حليفهما حزب الله المتفرج سعيداً على تقاربهما بعدما أنهكته خلافاتهما.
مصادر مطلعة على لقاء بري ـــ باسيل تحرص على إضفاء الكثير من الايجابية على الأجواء، وتؤكّد ان التفاهم «سيفتح كل المواضيع، وهو فتح بعضها بالفعل مباشرة. فإلى موضوع النفط الذي يحتاج الى متابعة في مجلس الوزراء، تطرق اللقاء الى مواضيع أخرى كانت موضع خلاف بين الطرفين لوقت طويل، من بينها خطة الكهرباء التي وضعها باسيل لدى توليه وزارة الطاقة، وملفا موزعي الخدمات والمياومين في شركة الكهرباء. هناك أمور تم الاتفاق عليها مبدئياً، وأمور أخرى تجري مقاربتها بإيجابية».
ولكن، هل تنسحب حلحلة الملف النفطي على الملف الرئاسي؟
اللقاء بين رئيس المجلس ووزير الخارجية لم يتطرق الى هذا الأمر. هذا ما تؤكده مصادر الطرفين، «إذ أنهما لا يختصران البلد. ناهيك عن أن الرئاسة تحتاج الى ثنائية عون ـــ الحريري بمقدار ما يحتاج النفط الى ثنائية عون ــــ بري». رغم ذلك، تلفت المصادر الى أنه «إذا كانت المصلحة الدولية في الحفاظ على مظلة الاستقرار فوق لبنان أملت التفاهم النفطي، فإن المقاربة نفسها قد تصحّ إذا ما تبيّن أن المصلحة الدولية نفسها تقتضي ذهاب الجميع الى حل لأزمة الرئاسة». وعليه، من أخذ التيار الوطني الحر وحركة أمل الى التفاهم النفطي قادر على أخذ غيرهما الى تفاهمات أخرى.