عن خطاب عون وحقوق المسيحيين و«حقائق» الطوائف
هل يحتاج الشرق إلى «شياطين» إضافيين؟
لا شيء مما أقدم عليه العماد ميشال عون مفاجئ. لا الخطاب ولا السلوك ولا العودة الى الشارع. حتى أسلوب الوزير جبران باسيل الموروث في الاستفزاز ومحاولة «شدّ العصب» لا يحمل جديداً. بل على العكس بدا نسخة سيئة لامست الحدود الأخلاقية. وفي بعض اوساط «التيار» هناك من يحمّل ضآلة أعداد المشاركين الى اسلوب باسيل. يقول هؤلاء «ما قد يجده أنصار التيار جرأة لدى الجنرال وتسمية للامور بأسمائها، وقد يعتبرونه محبباً، يبدو عكس ذلك تماماً حين يصدر عن باسيل».
اذا كان مردّدو هذا الكلام ينطلقون من خصومة مع باسيل حول شؤون «التيار» الداخلية وشجونه، فإن ما يقوله خصومه في السياسة عموما، أقسى بما لا يُقاس. استفز الجميع أسلوب باسيل في مخاطبة رئيس الحكومة تمام سلام. اعتبروا ان «مضمون الكلام لا يليق بأي مسؤول سياسي، فكيف بمن يدّعي تمثيل المسيحيين والنطق بلسان رئيس الجمهورية؟». يقول أحد السياسيين المستقلين «إن رد الرئيس سلام وضع النقاط على الحروف، وانا كمسيحي شعرت بالخجل من الفرق الشاسع بين أسلوب المخاطبة وأسلوب الرد عليه. هل وصل الموارنة الى هذا الحد من الافتقار الى الأفكار وأساليب التعبير عنها؟ اذا كان هذا في الشكل فكيف يكون المضمون وأسلوب العمل؟».
اما المضمون، فكان عنوانه «حقوق المسيحيين». تحت هذا العنوان تمّ تحريض الناس وشحن الغرائز في بلد، لا بل في منطقة، لا تحتاج إلى كثير جهد لتجييش النعرات الطائفية والمذهبية فيها. قرر «العونيون» استعادة عبارة الرئيس بشير الجميّل: «نحن قديسو هذا الشرق وشياطينه». واليوم الملعب للشياطين. فاتهم، بحسب أحد السياسيين، أن «الشياطين في هذا الشرق كثيرة، وان اردتم ان تحجزوا لكم مكاناً فأمامكم صفوف طويلة. ولن تكونوا الا هواة امام شياطين هذا الشرق المتوالدة».
خاض العماد عون معركته تحت عنوان حقوق المسيحيين. عنوان يدغدغ مشاعر كثيرين. فمنذ خسارة المسيحيين أرجحيتهم في الحكم من اتفاق الطائف الى اليوم، وهم في حالة انعدام الوزن. وهي حالة يتحملون مسؤوليتها الى حد كبير. وهي في أحد جوانبها، تعكس عدم قدرتهم وعدم قبولهم بشراكة كاملة وفعلية مع الآخرين. وما الخطاب العوني، في احد وجوهه اليوم، الا ترجمة للرغبة في امتلاك أرجحية، وليس مشاركة كاملة وفعلية.
لا يعني ذلك ان سلوك الشركاء المسلمين مثالي ويعبر عن نضج سياسي او اتعاظ من المغامرات. لكن الخطاب المسيحي، «العوني» تحديداً، هو تحت المجهر.
فبحسب أحد السياسيين المستقلّين «لا يحتاج لبنان، ولا المنطقة، طائفة إضافية تخوض من جديد مغامرات التعصب والتطرف. في هذا الشرق ما يكفي من جنون. يحتاج لبنان إلى عقل المسيحيين. الى مفاهيم الحداثة يعيدون إدخالها الى الحياة السياسية. الى خطاب الديموقراطية وحقوق الإنسان والمساواة واحترام الاختلاف والتعدد». يضيف «كان يمكن الرهان على التيار الوطني الحر في هذا المجال. بدا خطابه وطنياً، نخبوياً يحاكي العصر بأفكار وشعارات وسلوكيات خلاّقة. ولكننا اكتشفنا أن الجميع يتشابهون. وعند الاستحقاقات لا بدّ من تحريك الغرائز لاستعادة العصب. لكن أتمنى أن ينتبه المغامرون الجدد في التيار أن هذه اللعبة مجرّبة مسبقاً، وهي كاللعب بالنار تماماً، لا يمكن الخروج منها من دون حروق جسيمة. وإذا أمعن التيار والعماد عون النظر جيداً في نتائج الجولة الاولى لتأكدوا أنها احرقت اصابعهم. واللاعب الذكي هو من يجد المخرج اللائق قبل أن يُضطر الى الانسحاب مهزوماً».
لكن الهزيمة ستصيب لبنان في كل الأحوال. فالشحن الذي يواصل العماد عون ضخّه في جمهوره لن يمرّ من دون أضرار جانبية لا في شارعه ولا في شوارع الطوائف المقابلة، وتحديداً الشارع السني.