تتطوّر الأمور بشكل سلبي بعد الاتفاق الذي تمّ التوصّل اليه بين تركيا والأوروببين المُتعلّق بالمهاجرين، فدول أوروبية تُبدي قلقها من التطوّرات الداخلية التركية التي تمنع انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي فيما تفرض أنقرة شروطاً على أوروبا في خصوص تنفيذ اتفاق الهجرة. هذه التطوّرات زادت سوءاً بعد تبنّي ألمانيا قراراً يدين تركيا ويعترف بالإبادة الأرمنية، ما زاد الطين بلّة للأتراك الذين تتزعزع علاقاتهم مع عدد من الدول، أوروبية كانت أو شرق أوسطية.
وللاستفسار أكثر، أكّدت الأستاذة والمحاضرة في مادتَي العلوم السياسية والحضارات الإنسانية في الجامعة اللبنانية الأميركية «LAU»، نادين الأيوبي، في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ «إلغاء التأشيرات بين تركيا والاتحاد الأوروبي أصبح مستحيلاً، وطالما لدينا الرئيس رجيب طيب أردوغان في الحكم فإننا لن نبلغ هذه النقطة»، مضيفة أنّ «ما يفعله أردوغان أخيراً داخل تركيا أظهر أنّه من المستحيل الوصول إلى إلغاء التأشيرات، فالذي حصل مع رئيس الوزراء المستقيل أحمد داود أوغلو ليس مُجرّد استقالة لأنّ أردوغان يُحاول عبر مجلس النواب فرض قيود لتحويل النظام إلى رئاسي كأنّه يُريد تحويله إلى «نظام استبدادي».
وتابعت الأيوبي أنّ «أردوغان وقّع قانون رفع الحصانة النيابية الأسبوع الماضي، ما يعني احتمال سَجن النواب الأكراد والعلويين لاعتراضهم على حكمه، فضلاً عن فرض السُلطات التركية الوصاية القانونية على جريدة «زمان» التركية وإحدى وكالات الأنباء التركية منذ نحو شهرين»، موضِحة: «لكي تنضمّ تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لا يمكن لألمانيا أو غيرها القبول ببساطة لأنّه يجب التزام معايير «كوبنهاغن» التي أقرّت عام 1993، بينها وجود حكم ديموقراطي واحترام حقوق الإنسان التي «مسحها أردوغان بالأرض».
الإدانة الألمانية
وفي ما يتعلق بعلاقة كُلّ هذه الأحداث باعتراف الألمان بالإبادة الأرمنية، قالت إنّ «المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل ضغطت كثيراً للقبول بأشياء مع الرئيس التركي للوصول معه إلى اتفاق في شأن المهاجرين أصرّ عليه الألمان بسبب وجود 3,5 ملايين شخص من أصول تركية».
وأشارت إلى أنّ «أردوغان هدّد ميركل، بعد إصدار قرار إدانة تركيا على الإبادة الأرمنية، بأنّ القرار لن يُهدّد العلاقات التركية – الألمانية فقط، بل سيؤثّر في السُكّان الألمان من أصول تركية»، موضِحة: «هذا يُعتبر تهديداً مبطناً بتحريك هؤلاء وخَلق أزمات داخلية».
واعتبرت أنّ «القرار الألماني هو ردّ من ميركل على أردوغان كأنّها تقول له: سهّلت مرور هذا القرار بعدما صعّبت علينا الوصول إلى اتفاق عن المهاجرين»، لافتةً إلى أنّ «اتفاق المهاجرين» انتهى لأنّه كان سيؤمّن للأوروبيين تقييداً لنوعية تدفّق اللاجئين، فيصبح بإمكانهم معرفة جنسية المهاجرين الذي يدخلون أراضيهم».
وأكّدت أنّ «ألمانيا كانت تريد هذا الاتفاق أكثر من أي دولة أوروبية لأنّها الأكثر تضرّراً من أزمة المهاجرين»، مشيرةً إلى أنّ «الأوروبيين قالو للأتراك ان يَضبطوا تدفّق المهاجرين مقابل إعطائهم امتيازات لمواطنيهم في أوروربا».
واعتبرت الأستاذة والمحاضرة في مادتَي العلوم السياسية والحضارات الإنسانية أنّ «أردوغان قرأ تاريخ المنطقة جيداً، وقال لنفسه إنّ الأوروبي يريد استنزاف قوته للدخول إلى الاتحاد الأوروبي عبر فرض قيود عليه في مختلف المجالات، والتحكّم أكثر بالإستخبارات، ويرفض إعطائهم ذلك وأن يصبح «عبداً» لهم».
وأوضحت أنه «لا يريد الانضمام الى الاتحاد، لذلك ذهب الى مزيد من التشدّد، وأشكّ أنّه كان يريد هذا الاتفاق من الأساس بعد رؤية سياسته الخارجية في السنوات الماضية وتحالفاته المتطرّفة في بلدان عدّة».
العلاقات الروسية – التركية
إلى ذلك، لفتت الأيوبي إلى أنّ «العلاقات الروسية – التركية لن تتغيّر لأنّ الإثنين يحتاجان لبعضهما، لكنّ علاقاتهما تعكّرت بسبب الأزمة السورية»، مضيفةً أن «ليس بإمكانهم العودة إلى العلاقات السابقة بسبب تضارب المصالح غير أنّهم في الوقت نفسه، لا يريدون كسر الجرّة عبر عدم استفزاز طرف للآخر في سوريا». وأفادت أنّ «هناك أزمة تصل إلى درجة العداوة التي لا تتعدى العداوة الكلامية».
من جهة أخرى، أشارت الأيوبي إلى أنّ «الرئيس بشار الأسد يُحرّك الأكراد في تركيا وأردوغان يُحرّك الحركات السُنّية في سوريا ليرسلا رسائل لبعضهما»، مؤكدةً أنّ «هناك نوعاً من لعبة، فهما يحاولان خلق توازن رعب، فعندما يضرب تنظيم «داعش» في سوريا تُعتبر يد تركية وعندما يضرب الأكراد في تركيا، تُعتبر يد سورية». واستدركت قائلة: «لكن لا يمكن تأكيد المعلومات بأنّ الأسد أو أردوغان أمَرا بالتفجير، لاحتمال تدخّل طرف ثالث أو رابع، فلكُلّ جهة أجندة مخفية».