بمباركة ايرانية، رسم حدودها وحدوده، الكلام النوعي الذي اطلقه رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني، الواصل الى لبنان في زحمة التحديات ضمن المسار الجغرافي للزيارة الممتد من دمشق الى بيروت، بوضعه حزب الله وحماس في مصاف الدول لا بل أفعل من الدول، من جهة، داعيا المسيحيين في لبنان الى بذل الجهد لإتمام الإنتخاب، من جهة ثانية،انطلق الحوار اللبناني، على وقع «زيارة رسائل الجملة»، على حد قول مصادر متابعة للحوار والتي تلقفها عراب جسر تواصل ساحة النجمة، معيدا صياغتها لبنانيا، من نشر التوعية الايمانية الحقيقية، توازيا مع الحل السوري السياسي الداخلي وليس الجغرافي، الذي اساسه استقرار الشرق المنطلق من اعادة الثقة في العلاقات الايرانية السعودية فيما يرتب لبنان الجغرافيا البشرية النموذجية لصياغة هذه العلاقة.
فالضوء الاخضر الاقليمي لطرفي الحوار تضيف المصادر، فرض على المستقبل الانعطاف على «الطريقة الجنبلاطية» مقابل تراجع الحزب في اتجاه التوافق، ملاقاة للتفاهمات الاقليمية المنتظرة ومواكبة للتحولات الكبرى الظاهرة تباعا على المسرح الدولي والتي ليس آخرها انتهاء العداوة الاميركية – الكوبية مع ما تعنيه على الصعيد الجيوسياسي الدولي وكذلك التحول الاوروبي النوعي نحو الاعتراف بدولة فلسطين رغم الضغوط والتهديدات الاسرائيلية.
من هنا ينطلق الحوار بعد تأمين كل من الفريقين للدعم المطلوب بحسب المصادر، تيار المستقبل متكئا على معادلة «السين – سين»، التي ارست المملكة العربية السعودية معادلتها، وحزب الله الذي وضعه رئيس مجلس الشورى الايراني بمصاف الدول، بعد تجاوز مشكلتي الشكل وجدول الاعمال المفتوح غير المكتوب، ليرسو على لقاء موسع، وسط توجس الكثيرين من الساعين الى الانضمام للطاولة لاحقا خوفا من تسويات على حسابهم.
واذ بات معلوماً عدم تطرق الحوار الى الملفات الخلافية «الاستراتيجية»، تؤكد المصادر، انطلاقه من مسلمة تخفيف حدة الاحتقان السني- الشيعي، من خلال اجراءات عملية تبدأ بخفض حدة الخطاب السياسي، مرورا باجراءات امنية حازمة وفاعلة لا تميز بين منطقة واخرى على كامل الرقعة الجغرافية اللبنانية، دون استثناء لاي مربعات امنية. وفي هذا المجال علم من مصادر تيار المستقبل انه سيطرح مسألة «انفلاش» سرايا المقاومة خاصة بعد تنفيذها عمليات لصالح المخابرات السورية بحسب ما بينت تحقيقات فرع المعلومات مع اكثر من شبكة تم توقيفها، في مقابل اصرار حزب الله بحسب المطلعين على حركته، على موقف حاسم من تيار المستقبل في ما خص دعم الاجراءات الرسمية في مكافحة الارهاب لا سيما عند الحدود الشمالية والشرقية وتحديدا الوضع الشاذ في عرسال. اجراءات يفترض ان تجري تحت مظلة تعزيز الاداء والتضامن الوزاري، تزامنا مع تفعيل دور المجلس النيابي من خلال التوسع في مفهوم «تشريع الضرورة» وصولا الى انتظام التشريع والرقابة. واشارت المصادر المتابعة للحوار انه سيتوج ببحث ملف رئاسة الجمهورية، توازيا مع اكتمال المعطيات الاقليمية والدولية وبانتظار تبلور خيارات الحوار المسيحي- المسيحي المنتظر تحت عباءة بكركي،من زاوية تحديد صفات الرئيس العتيد لجهة توافقيته وقوته، دون التحاور حول الاسماء.
مصادر بيت الوسط اكدت ان تيار المستقبل يخوض التجربة الحوارية بكل جدية املا في ايجاد الحلول للعدد الاكبر من الملفات المطروحة، بعد نجاح الطرفين في كسر الجليد بينهما، مشيرة الى ان الرئيس سعد الحريري ينطلق من إشارات صدرت عن ايران، قوامها الاستعداد المبدئي للبحث عن رئيس توافقي مقابل عدد من المعطيات السلبية، الأمر الذي يجعل الرهان على نتائج ملموسة للحوار ضيق الأفق، كاشفة ان سلاح حزب الله الموجود في الداخل تحت مسمى «سرايا المقاومة» سيطرح بشكل طبيعي وهادئ، مع التهديد الكبير الذي بات يشكله على الاستقرار الداخلي، بعد حادثتي صيدا والبقاع الغربي، وضرورة رفع الغطاء عن هذه السرايا لان تماديها في الاخلال بالامن بعد ثبوت تآمرها مع الخارج سيبقي على حال التوتر مسيطرة.
وفيما دخلت قيادات حزب الله مرحلة «الصمت الحواري»، قرأت مصادر عين التينة في مجرد انطلاق الحوار، أمرا إيجابيا،لما يمكن ان يقدمه من تخفيف للتشنج وخلق مناخات مناسبة من أجل بت ما يمكن بته بالنسبة للقضايا الداخلية العالقة،وخلق مساحات مشتركة لتحصين الساحة الداخلية، في ظل التحديات الكبيرة التي تمر بها المنطقة ولبنان بالتحديد في مواجهة الإرهاب، مشيرة الى ان الحوار سيمتد الى الحلفاء للتشاور معهم وللاخذ بكل الهواجس الموجودة عند الأطراف السياسية، معتبرة ان مجرّد جلوس الطرفين وجهاً لوجه يعني وجود رغبة ايرانية – سعودية في الحفاظ على ستاتيكو المهادنة في لبنان وإبقائه مساحة «فك اشباك» لتبادُل رسائل حسن النية في التوقيت المناسب بعدما كان في فترات سابقة «ساحة اشتباك».
من جهتها رأت اوساط نيابية مستقلة ان كلا من التيار والحزب بحاجة الى الحوار رغم اختلاف الدوافع، فالاول ومن خلفه 14 اذار يريد «حوار كسر جليد» مع الثامن من آذار، وصولا الى انتخاب رئيس للجمهورية والثاني بحاجة الى اعادة التوازن لمواقفه الداخلية المختلة نتيجة الاعتبارات السورية، بعد الاحداث التي تشهدها الحدود الشرقية، مبدية اعتقادها بان مهندسي الحوار تجنبوا توسيع اطاره حاليا، رغم ابداء الكثير من الجهات، في مقدمتها النائب وليد جنبلاط، رغبتها بالانضمام الى الطاولة، حرصا على عدم تفسير الخطوة بحلف ثلاثي او رباعي جديد، في ظل الحملات المدسوسة عن رغبة اسلامية في مصادرة القرار المسيحي.
اذن سقف الحوار واضح تقول المصادر، سبق للرئيس الحريري كما للامين العام لحزب الله ان حدداه في اطلالاتهما الاعلامية، كما خلال اتصالات «المجالس بالامانات»، ما يدفع بالمتابعين الى الجزم بان المسائل السياسة المطروحة لن تحل على هذه الطاولة، لارتباط الكثير منها وتداخلها مع الشأن الاقليمي والدولي، وسط حد ادنى من التوقعات تدل الى حتمية التهدئة الاعلامية لتقطيع الوقت باقل الاضرار، فيما يبدو الحد الاقصى منه خصوصا لجهة امكان تحقيق خرق جدي في جدار الازمة السياسية مستبعدا.
يبدو ان «جرافات» المستقبل الحوارية فتحت شهية «التيار الاسلامي» تقول المصادر، الذي لم يكتف فقط بتأييد الحوار بين بيت الوسط وحارة حريك، بل وصل بداعي الاسلام الشهال، منظر التيار السلفي في لبنان الى ابداء استعداده لاجراء حوار بين تياره وحزب الله.
فهل دخلنا مرحلة انقلاب التوازنات والمعادلات الداخلية؟ وهل ينجح التيار والحزب في تجاوز المطبات الكثيرة وتحويل الحوار من ثنائي الى وطني؟ ام ان مسألة «سرايا المقاومة» وتعاملها مع المخابرات السورية كفيل بنسف ما قد يتحقق؟