IMLebanon

هل تتجه أوروبا نحو سنوات من الركود؟

بعد أكثر من ثلاثة اعوام يبدو ان منطقة اليورو ما زالت تواجه تحديات كبيرة تجعل من البديهي القول ان اوروبا ربما ستتعرّض الى خسارة عقد من الزمن على النحو الياباني.

اذا كان المشككون في وجود اوروبا واليورو ما زالوا على تشاؤمهم، يبقى القول ان العلامات الموجودة توحي بأنه، على الأقل حتى الآن، لا شيء يشير الى أن الامور تسير نحو الأحسن. مع العلم ان التحديات التي تواجهها اوروبا قد تكون اقتصادية اكثر منها وجودية او نظامية.

والسؤال حول نمو طويل الأمد قد لا يكون مقتصرا على اوروبا وحدها بل يطاول معظم الاقتصادات المتقدمة مع اسعار فوائد سلبية واصلاحات هيكلية ما زالت بطيئة وغير فاعلة ولم تعط لغايته النتائج المرجوة .

قد تكون التحديات التي تواجه اوروبا لا تقتصر فقط عليها انما قد تدفع بالعالم المتقدم عموماً واوروبا خصوصاً نحو سنين من الركود مع انخفاض التضخّم وعدم تمكّن عملية التسيير الكمي والتي بدأت السنة الماضية من ان تعطي نتائج ايجابية.

وقد أعطى اجتماع البنك المركزي الاوروبي الخميس الفائت علامات على انه سوف يترك سياسة التسيير الكمي على معدلاتها الحالية دون تغيير، ورفع توقعات التضخم لاول مرة في محاولة منه لتحسين الاسعار والوصول الى الهدف المرجو ٢٪‏ تقريبا.

ويبدو ان الاسواق تتعاطى مع الموضوع بصورة غير معقولة سيما أن اسعار المستهلكين انخفضت بنسبة 0،1‏ بالمائة في شهر ايار مقارنة بالعام الماضي حسبما ذكرت احصاءات وكالة الاتحاد الاوروبي.

اذا كان الخبراء يتوقعون ارتفاع الاسعار في الاشهر المقبلة بسبب ارتفاع سعر برميل النفط انما نراهم منقسمين في شأن ما اذا كان سيتعين على البنك المركزي الاوروبي تعزيز برنامج شراء السندات، مع العلم ان المركزي الاوروبي حثّ المستثمرين على الصبر بانتظار نتائج تدابير السياسة العامة الاخيرة. وحسب ماريو دراغي، فان المركزي مستعد لخطوات اخرى في حال لم تتجاوب الاسعار.

والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي التدابير الرئيسية التي ستحدث علما ان كل السياسات تستهدف في نهاية المطاف خفض تكلفة القروض للشركات والمستهلكين من اجل احياء النمو.

قد تكون التطورات الاقتصادية الدولية والاميركية خاصة مساعدة حاليا في هذا الاتجاه سيما اذا ثبت ان مجلس الاحتياطي الفيدرالي الاميركي سيرفع اسعار الفوائد هذا الشهر او الشهر المقبل مما يعني اضعاف اليورو ورفع اسعار الواردات من السلع والخدمات.

أشار مسؤولو البنك المركزي الاوروبي الى ان اي اجراء جديد من المحتمل ان يركّز على شراء السندات بسعر ٨٠ مليون يورو في اشهر بدلا من التركيز على اسعار الفوائد، علما ان اسعارا سلبية للفوائد تؤثر على ارباح المصارف وشركات التأمين وغيرها.

لذلك قد يكون الانزلاق في الانكماش مثيرا للقلق لدى صانعي السياسات وهو امر سبق لدول متقدمة اخرى ان ذهبت ضحيته، واليابان خير مثال على ذلك مع ما تأتّى عن ذلك من آثار سلبية على الاقتصاد.

ان الجهود التي يبذلها المركزي الاوروبي أحبطت مؤخرا بسبب انخفاض اسعار الطاقة والاستفتاء الذي سيحدث قريبا ويقرر مصير الاتحاد الاوروبي والذي يمكن ان يؤثر تأثيرا كبيرا على اقتصاد منطقة اليورو. لذلك قد يكون الحديث عن سياسات جديدة سابق لأوانه بعض الشيء، وقد تكون التطورات الدولية مرهونة بما سيقوم به الاحتياطي الفدرالي وما سوف ينتج عنه استفتاء المملكة المتحدة.

العديد من البلدان في الاتحاد الاوروبي ستضطر الى التعامّل مع امكانية حدوث انكماش اقتصادي خطير. على سبيل المثال، انخفض التضخم في هنغاريا الى أدنى مستوى له منذ العام 1974 ، كذلك اليونان وبلغاريا وقبرص وايرلندا. لقد اصبحت معالجة تهديدات التضخم اكثر تعقيدا مع المركزي الاوروبي على وجه الخصوص، وبالتحديد مع زيادة معدلات البطالة الامر الذي أدّى الى ضعف الطلب الاستهلاكي حتى في المانيا حيث ظروف العمل اكثر ايجابية انما احجام المستهلكين لانفاق اموالهم ما زال يقيّد النمو الاقتصادي.

لذلك نرى ومن نواحٍ عديدة ان وضع الاتحاد الاوروبي يشبه الى حد بعيد وضع اليابان في التسعينات. اضف الى ذلك الضغوط على القطاع المالي مع القروض المعدومة والتحدي الديمغرافي مع شيخوخة السكان وانخفاض معدل المواليد وغيرها من الامور التي لم تساعد في احداث اية ضغوط على الاجور.

من المعلوم أن التضخم يعتبر مؤشرا رئيسيا لصحة الاقتصاد، وارتفاع الأسعار يعكس قوة الاقتصاد مما يؤدّي الى دفع النمو قدما وعلى العكس فإن حالة الانكماش تدل على تأجيل الشراء في انتظار مزيد من انخفاض الأسعار بما يعني تباطؤ العملية الاقتصادية.

وجميع المؤشرات لغاية الآن تبرز توقعات ضعيفة في المستقبل القريب بما يعني ان البنك المركزي الاوروبي معرض للضغوط مرة اخرى ومجبر على السير قدما ببرنامج شراء الاصول كونها آخر السياسات، علما انه ولغاية الآن لم تعط النتائج المرجوة.

الى ذلك، تنبغي الاشارة الى اتساع الاختلالات المالية عبر منطقة اليورو والى التشعبات المثيرة للاهتمام سيما ان البنوك في جنوب اوروبا ترسل الاموال الى الشمال كذلك المستثمرين الدوليين يشعرون برغبة اكبر لبيع سندات اسبانية وايطالية للمركزي الاوروبي بدلًا من السندات الالمانية، بما يوضح المفارقة بين هذه السندات. وهذا يعني ايضا مفارقات جديدة في روحية الاتحاد. لذلك قد تكون اوروبا دخلت بالفعل مرحلة الانكماش الطويل الأجل وقد لا يكون العلاج قريبا لغاية الأن.