IMLebanon

معرصة!  

“أحسد” بعضاً من زملائي الكتّاب والصحافيين لأنهم قادرون على الكتابة اليومية، أو حتى المتقطعة. لا أعرف من أين يأتون بهذه الموهبة. شيءٌ ما، مضادّ للموت يسري في عروقهم، ويمنعهم من الاستسلام. بين حين وآخر، أشعر بهذه “القوة”، لكنها سرعان ما تهرب منّي. لا أريد أن أشعر باليأس، ليس من أجل الكتابة، بل من أجل الحياة نفسها. أكره هذا الشعور، لكنني “مجبر” على الاعتراف به. عندما أكذب، صدِّقوني، أصير موضعاً للسخرية المرة، الذاتية أولاً وأخيراً. أكاذيبي واضحة وضوح المقابر الجماعية التي أرتادها. مَن مثلي، لا يُحسِن التخفّي وراء الأصابع، لأنه يجعل المشهد مثيراً للشفقة والازدراء. لا شيء ينفعني في مثل هذه الحال. إذ، كيف أكذب على نفسي والقرّاء ما دمتُ أموت؟ كيف أقول لهم إنني في أحسن حال؟! كيف أعدهم بالأمل، وأنا لا أرى بصيصاً مسموماً منه؟! كيف يسعني أن أضحك، وأن أواصل المقامرة، والتعاطي مع يوميات الحياة، موجباتها ومسؤولياتها، ومع الآخرين، وفق الأصول واللياقات، في حين أنني جزءٌ من هذه الفجيعة الكونية التي تشهدها بلداننا الشرقية؟!

تتشلّع حياتي، تَشَلُّع غابةٍ أمام الزئير، في حين أمضي الوقت في البحث عن موضوع للكتابة المملة، وبعضنا الثاني يعكف على شراء الأسلحة، وبعضنا الآخر يمضي عمره في القتل، وبعضنا الأخير في مشاهدة الموت. نحن قتلة، يا أصدقائي. نحن زبانية. ومن حقّ الحياة علينا أن تمعسنا معساً.

لا أحد يعرف ماذا أشعر عندما أعود إلى البيت. كم أتمنى لو أن أحداً يشعر عني، ليكتب ما بي، بعد أن أسلّمه مفاتيح الثقوب الفاغرة التي في رأسي. أنا كلبٌ تائه في زبالة لبنان. كل يوم، أزداد إحساساً بالعبث واللاجدوى والموت. يجب وضع حدٍّ لهذه الكذبة. لم أعد أريد أن أكون شاهداً على كلبيّتي. يسع أحد الأصدقاء أن يطلق الرصاص على هذا الكلب التائه. يسعه أن يضع في فمه طعاماً مسموماً. الشعور بالذنب أسوأ أنواع المشاعر عندما يعتقد أحدٌ مثلي أنه “متواطئ” و”مسؤول”، في معنى ما، عما آلت إليه جريمة الحياة هنا. هذه ليست عيشةً، أيها الناس. إنها جريمة. أقول لكم ذلك، تكفيراً عن بعضٍ من ذنب “الأمل” الذي لطالما كنتُ أرتكبه في كتاباتي.

أقف أمام معرصة لبنان، بل أمام الحائط اللبناني السوري العراقي الفلسطيني اليمني… العربي مطلقاً، وأنا أصرخ صرخة مونخ.

ربما يشعر بعضكم بالرغبة في السير معي قليلاً. خذوني إلى مقبرة. أريد أن أنام!