اكبر معركة خسرها لبنان في حربه ضد الارهاب، هي معركة عرسال، والخسارة لم تكن عسكرية، لان الجيش سرعان ما استعاد المبادرة، واستعاد مواقعه، واستعاد معها مواقع اخرى، واستعاد تماسكه الوطني، ولكن الخسارة المعنوية كانت كبيرة وقاسية، وموجعة بأسر عدد من عناصر الجيش وقوى الامن الداخلي، و«نجاح» قوى الارهاب في الهرب بهم الى المغاور والكهوف، حيث بدأت بتنفيذ مخططها، ليس بابتزاز الدولة وفرض شروطها فحسب، بل ايضا بافتعال اعمال واجواء مسمومة من شأنها ان تشعل فتنة في البلاد، تفتح لها الطريق لتكون لاعباً على الساحة اللبنانية، وسفحت على مذبح مخططها الاجرامي هذا، دماء اربعة شهداء من الاسرى المخطوفين العزّل، قتلوا بدناءة ووحشية لا مثيل لهما.
يمكن القول ان الوعي الداخلي، عند مختلف الطوائف والمذاهب، والقيادات والاحزاب، مدعوماً برغبة دولية، بتجنيب وقوع لبنان في المحظور المميت، افشل حتى الان، هذا المخطط، وما نشهده اليوم من انفتاح على الحوار عند مختلف الافرقاء، ومن تشجيع دولي على اعتماده سبيلاً لحلّ الخلافات بين اللبنانيين، او على الاقل تجميدها حتى تحين ظروف تساعد على حلّها، يجعلان اللبنانيين يتأملون خيراً من الحراك الفرنسي باتجاه ايران والسعودية، للتفاهم على صيغة مقبولة من اكثرية اللبنانيين تسمح بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، قادر في هذه المرحلة الصعبة التي قد تطول لسنوات، على قيادة البلاد بأقل ما يمكن من خلافات واضرار، بانتظار وضوح الصورة حول الحرب العالمية ضد الارهاب من جهة، وحول المفاوضات بين العالم وايران من جهة ثانية حول مشروعها النووي ودورها الاقليمي، ليبنى على النتائج، ليس مصير لبنان فحسب، بل مصير المنطقة بكاملها.
***
المعلومات المتوافرة حتى الآن، تشير الى ليونة ما في الموقف الايراني وفي تسهيل انتخاب رئيس، مع حرص طهران على حماية استراتيجيتها القائمة منذ زمن في لبنان وسوريا والعراق، كدول تعترف بالنفوذ الايراني، وهذا الاعتراف يلزمه وجود رؤساء وحكومات على صداقة مع ايران وليس على عداء. في حين ان الاستراتيجية السعودية قائمة على محاربة التمدد الايراني في الدول العربية، كما هو حاصل الآن في الدول الثلاث المذكورة، يضاف اليها، اليمن والبحرين، وبالتالي فان مهمة فرنسا، او الغرب المساند لها، هي محاولة ايجاد منفذ بين الاستراتيجيتين، تراه فرنسا في تحييد لبنان عن مشاكل المنطقة، نظراً الى اوضاعه المعقدّة، وان تساعد ايران والسعودية، لبنان، على ملء الفراغ في الرئاسة الاولى، كخطوة اساسية ولا بد منها، لاعادة احياء المؤسسات اللبنانية وتقويتها ومساعدتها، بمعزل عن خلاف الدولتين في القضايا الاخرى، وعندما قال رئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري، ان الهدف الاساسي من الدعوة الى حوار مع حزب الله، هو تخفيف التوتر والاحتقان بين السنّة والشيعة، كان يقصد تحييد لبنان عما يدور من صراع مذهبي في سوريا والعراق واليمن والبحرين، وهذا الامر معروف جيداً لدى حلفاء تيار المستقبل، مثل حزب القوات اللبنانية الذي لا يتوجس من ان الحوار بين المستقبل وحزب الله، سوف يكون على مصلحة المسيحيين، في ما خصّ موضوع الرئاسة الاولى، لان الخلافات السياسية والمتعلقة بمصالح البلد، كما هي متعلقة بمسألة حقوق الطوائف والمذاهب، لا يمكن مقاربتها من طرفين فقط، بل تتطلب حواراً يشمل الجميع. ومن هذا المفهوم، فان الحوار بين رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس حزب التيار الوطني الحرّ ميشال عون، اذا تمّ، سوف يتطرّق ربما الى عدد من الخلافات التي تعوق تفاهمهما على رئيس للجمهورية، ولكن الحلول النهائية لهذه الخلافات السياسية، لا يمكن حلّها وطنياً، الا على طاولة حوار موسعة.
النقطة الوحيدة المشجعة والمحسومة التي يتشارك فيها الجميع، وجودهم في خندق واحد مع الجيش اللبناني والقوى الامنية، لمواجهة الخطر الوجودي الذي يهدد المجتمع اللبناني تهديداً خطراً، الذي تمارسه التنظيمات التكفيرية والذي ترخص في سبيل القضاء عليه جميع التضحيات.