انشغل الرأي العام اللبناني الأسبوع الماضي بأخبار زيارة الزعيم الماروني النائب سليمان فرنجيه العاصمة الفرنسية للقاء رئيس الحكومة الأسبق وزعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري، ولا يزال منشغلاً بها رغم النفي الرسمي الذي صدر عن الاثنين أو عن دوائر قريبة منهما. ذلك أن زيارة مماثلة كان قام بها العماد ميشال عون زعيم “التيار الوطني الحرّ” قبل أشهر كثيرة إلى العاصمة الإيطالية وقيل إنه التقى خلالها الحريري. وتمّ في حينه نفي اللقاء. لكن تبين لاحقاً واستناداً إلى جهات عليمة ذات مصادر موثوقة معلوماتها أن اللقاء حصل، ولكن في باريس التي انتقل إليها عون من روما إما على متن الطائرة الحريرية الخاصة أو على متن طائرة تجارية. فهل يكون نفي لقاء فرنجيه – الحريري أخيراً مشابهاً لنفي لقاء عون- الحريري قبل أشهر؟ حتى الآن لا يزال الغموض يلف هذا الأمر وإن مع ميل لترجيح حصول اللقاء، علماً أن ما من خفي إلا سيظهر كما يقال، وقد ظهر أواخر نهار الاثنين الماضي. وفي أي حال فقد كشف التركيز على اللقاء داخل لبنان رسمية وعلانية المعركة التي يخوضها فرنجيه مع أخصامه وأعدائه وحتى حلفائه من أجل إقناعهم بأن مصلحتهم جميعاً تقتضي أن يملأ هو فراغ رئاسة الجمهورية في قصر بعبدا بدلاً من المرشَحَيْن الرئيسيّين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع رئيس “حزب القوات اللبنانية”، وكذلك بدلاً من مرشحين وسطيين معتدلين عاجزين في رأيه عن إدارة البلاد في هذه المرحلة الإقليمية الصعبة جرّاء ضعفهم الشعبي ولا سيما على الصعيد المسيحي.
هل الطريق التي اختارها فرنجيه للوصول إلى الرئاسة أو ربما عدوِّه سعد الحريري لملء فراغها ستضمن له الحصول على مبتغاه؟
بداية لا بدّ من الإشارة إلى أن الطريق الصحيحة بالنسبة إلى فرنجيه هي التي تكون محطتها الأولى “حزب الله” وتحديداً أمينه العام السيد حسن نصرالله، باعتبار أنه ومنذ تعاطيه السياسة كان يقصر تعامله على اصحاب الرقم واحد من الحلفاء وربما من غيرهم. فمع مؤسس النظام السوري الرئيس الراحل حافظ الأسد كانت علاقته مباشرة، وكانت كذلك ولا تزال مع خلفه في الرئاسة وغيرها نجله الدكتور بشار الأسد. فهل بحث في طموحه الرئاسي مع نصرالله وكذلك في لقائه والحريري؟ الأكيد استناداً إلى معلومات دقيقة متوافرة أن بحثاً بين الرجلين في الرئاسة حصل أكثر من مرة، وأن “الحزب” يعتبر فرنجيه قريباً جداً منه وموثوقاً جداً به، وربما مرشحه الاحتياطي للرئاسة إذا لم تتيسّر رئاسة عون. لكن الأكيد أيضاً أن “الحزب” صارحه دائماً بأن المرشح الرسمي هو عون. وعندما يصبح هذا الأمر غير مطروح لسبب أو لآخر وبموافقة عون فان البحث في رئاسته ممكن كما في رئاسة غيره. فضلاً عن أن الأكيد ثالثاً أن “الحزب” دعا فرنجيه ومن موقع الصداقة إلى الكفّ عن إثارة عون رغم أنه يقول دائماً إنه مرشحه، وإنه لن يرشِّح نفسه إلاّ في حال تراجعه عن الترشُّح. أما بحث الزعيمين أي نصرالله وفرنجيه في لقاء الأخير مع الحريري قبل حصوله طبعاً فإن لا معلومات دقيقة عن حصوله أو لا. علماً أن نصرالله ربما لا يمانع في اتصال وإن غير مباشر مع زعيم “المستقبل” لاستكشاف الأجواء.
أما في الجواب عن مضمون السؤال المطروح أعلاه، فإن العارفين والمطَّلعين والمحلِّلين والخبراء، فضلاً عن المعلومات القديمة والحالية، يرجّحون صعوبة نجاح لقاء باريس في إيصال فرنجيه إلى قصر بعبدا، والأسباب هي الآتية:
1- استحالة قبول الحريري دعم فرنجيه في حال استمراره حليفاً أولاً للأسد ونظامه، وإن كان الحريري ميالاً إلى ذلك حرصاً على مصلحة البلاد وعلى العودة الى السرايا الحكومية. واستحالة تخلّي فرنجيه عن هذا التحالف.
2- استحالة قبول المملكة العربية السعودية، الحليف الأول للحريري و”تيار المستقبل” و14 آذار، بوصول فرنجيه، الحليف الأول لـ”خطّ” بشار الأسد بل له شخصاً وعائلة وربما طائفة، إلى قصر بعبدا. وهذا موقف يسري أيضاً على عون وعلى كل مرشحي 8 آذار. واستحالة تخلّي فرنجيه عن “الخطّ”.
3- استمرار “التحالف” بين المملكة العربية السعودية و”تيار المستقبل”، واستمرار تمسُّكها به بسبب الإرث الشعبي وتحديداً السنّي الذي تركه له حليفها الأول في العقود الأخيرة الرئيس الشهيد رفيق الحريري. علماً أن ضعفاً أصاب هذا الإرث بسبب “لا مبادرات” الوارث وغيابه، لكنه لا يزال الأكبر سنِّياً. وأعطى ذلك الحريري الحق في الاستمرار، لكنه أضعف “دالَّته” في الأمور اللبنانية على الأقل على المسؤولين الكبار فيها.