الحريري يُخلي الصف الأمامي لخصوم عون المسيحيين
فضّل الرئيس سعد الحريري ان يتعاطى مع التحرك الاحتجاجي الذي نفذه «التيار الوطني الحر» في الشارع، وكأنه حصل في دولة أخرى.
تجاهل الحريري دلالات الانتفاضة البرتقالية، وما تعكسه من تفاقم في مشاعر الاحتقان لدى شريحة واسعة من المسيحيين، متجنبا الانزلاق الى ملعب العماد ميشال عون، حيث أرجحية الارض والجمهور للجنرال، ومكتفيا بـ «اعلان نيات» عامة، لا يسمن ولا يغني من جوع.
وامام هذا السلوك، لم يتردد أحد قياديي «التيار الحر» في القول، بعدما انتهى من الاستماع الى الحريري، إن الرجل أظهر في خطابه قدرا من الذكاء السياسي، قاده الى الانحناء امام العاصفة العونية، بدل ان يقف في وجهها، لمعرفته بأن الخيار الثاني يعزز من ناحية شعبية الجنرال، ويحرج من ناحية أخرى الحلفاء المسيحيين للحريري.
ارتأى الحريري ان يخوض المعركة التي فرضها عون، على توقيت ساعته، من الخطوط الخلفية، تاركا الصف الامامي لخصوم الجنرال من القوى والشخصيات المسيحية التي تولت الرد على طروحاته السياسية وتحركه في الشارع، بل إن بعضها لم يتردد في زيارة السرايا الحكومية التي حوصرت لبعض الوقت في 9 تموز، للإعراب عن التضامن مع الرئيس تمام سلام في مواجهة ميشال عون.
لكن، إذا كان الحريري قد نجح مرحليا في كسب بعض الوقت، وتفادي المبارزة المباشرة مع عون، ليحرمه من مردود الاصطفاف الطائفي، فان ذلك لا يعفي رئيس «المستقبل» في نهاية المطاف من مسؤولية تقديم تصورات واقعية لكيفية التعامل مع مطالب الرابية، والتي يملك هو وحده القدرة على تلبية أغلبها.
وتشدد اوساط سياسية حليفة للجنرال على ان المطلوب من الحريري الافراج عن الحقوق الاسيرة للمسيحيين، وإذا كان يجد صعوبة في منحها لهم عن طريق الرابية، فلا بأس في ان يمنحها عن طريق معراب. المهم ان تعود الحقوق الى اصحابها، وهذا ممر إلزامي نحو أي تسوية، لن يستطيع الحريري الاستمرار في التهرب منه الى ما لا نهاية، وبالتالي لا بد له عاجلا ام آجلا من تسديد المستحقات السياسية المترتبة عليه.
وتعتبر الأوساط ان الحريري الذي اعتاد على تحميل «حزب الله» المسؤولية عن كل شيء يحصل في لبنان، ولم يعد ينقص سوى تحميله تبعات حوادث السير أيضا، بدا غير مقنع في اتهامه الحزب بافتعال او استثمار الازمة بين التيارين «الأزرق» و «البرتقالي»، مستغربة إصرار قيادة «المستقبل» على المضي في سياسة محاورة الحزب، ثم الهجوم عليه قبل او بعد كل جلسة حوار.
وتتساءل الأوساط عما إذا كان الكلام الحاد الذي تضمنه خطاب الحريري أمس الاول، ضد «حزب الله»، يتناسب في توقيته ومضمونه مع جلسة الحوار التي عقدت أمس بين وفدي «المستقبل» و «الحزب»، لافتة الانتباه الى ان مصداقية الحريري نفسه هي المتضررة من هذا السلوك الذي يجمع بين الشيء ونقيضه.
أما «التيار الحر» فقد دخل في مرحلة من التقاط الانفاس ومراجعة الاحتمالات، يُرجح ان تمتد حتى الموعد المفترض لانعقاد جلسة مجلس الوزراء بعد عيد الفطر.
وإذا كان ما حققه الاحتجاج في الشارع ليس على قدر طموحات البرتقاليين، فانه بدا كافيا على الاقل لإعادة تجديد شباب التيار وتنشيط خلاياه، في أعقاب سنوات من الاسترخاء.
ويسعى عون الى «التثبيت السياسي» لخط الهجوم المتقدم الذي رسمه على الارض، في محاذاة السرايا، ومن ثم البناء عليه لانتزاع مكاسب من «المستقبل»، تبدأ بآلية عمل مجلس الوزراء وتنتهي عند المطالب المعروفة، مع احتفاظه بحق استخدام الشارع مجددا، آخذا بعين الاعتبار ان التعبئة الجماهيرية في صفوف مناصريه التي وصلت الى حدها الاقصى مؤخرا، لا يمكن تكرارها دائما، وبالتالي فهذه فرصة ثمينة يجب استثمارها قدر الامكان.
ومع ان احتمال التصعيد، ببعديه السياسي والميداني، لا يزال واردا في حسابات الجنرال، إلا ان مصادر في التيار رجحت حصول حلحلة في اتجاه اعادة تفعيل الحكومة وفتح أبواب مجلس النواب، بعد إيجاد الإخراج الملائم لعقدة التعيينات الامنية، مشيرة الى ان من بين الاشكاليات التي تواجه التيار على هذا الصعيد ما يتمثل في امكانية ان ينقلب عليه سحر الآلية التي يطالب بها، إذ إن آلية الاجماع او التوافق التي يدعو اليها لضمان عدم تجاوز المكون المسيحي في أي قرار، ستقود هي ذاتها الى الاستمرار في تجميد بند التعيينات بحجة عدم توافر الاجماع او التوافق حوله.
وتكشف المصادر عن ان عون بات يميل الى القبول باستئناف تشريع الضرورة في مجلس النواب، موضحة ان هناك حاجة الى مشاورات مع القوات اللبنانية للتنسيق، بغية تفادي اي تداعيات على «اعلان النيات».