التصدّي «دستوريّاً» لشلّ البلاد إنجازٌ يُحسب للرئيسيْن نبيه برّي وتمّام سلام، والكلام الذي نُقلَ بالأمس عن رئيس المجلس النيابي في مجالسه، وكذلك الذي أعلنه رئيس الحكومة في كلمته في إفطار المقاصد أول من أمس بثّ أجواءً تفاؤليّة في البلاد بعد التمادي غير المسبوق والتعنّت واللامبالاة بوضع الشعب اللبناني وحال الموات الشلل التي تعيشها البلاد، إلا أنّ هذا التفاؤل أثار كثيراً من قلق مخاوف أهل التعطيل ومن ورائهم، وما قد يفعلونه للإطاحة بأيّ خروج من المأزق الذي فرض على لبنان منذ عام وأكثر!
ليس سرّاً أنّ حال الشّلل التي دخلتها البلاد يقف وراءها حزب الله بشكل أساسي وإن كان ظاهرها يشي بأن النائب ميشال عون وكتلته يتصدرون الواجهة، لأنّ تعطيل انتخابات الرئاسة في العام 2008 وقف وراءه حزب الله واتخذ من ترشيح ميشال عون ذريعة، وها هو يعيد الكرّة بعد ست سنوات، ويعطّل انتخابات الرئاسة لفرض رئيس يضمن مصالح إيران والحزب خصوصاً في الظرف الحالك الذي يعيشه الاثنان بفعل الأزمة السوريّة ودمويتها التي استنزفت طاقات الحزب وقتّلت كوادره خصوصاً قيادييه الأمنيين في معارك القصير والقلمون، كما استنزفت أموالاً إيرانيّة طائلة، وإيران على طالة المفاوضات مع حليفها «الشيطان الأكبر» تواجه مأزق اضطرارها للتراجع عن الكثير من السقوف العالية التي رفعتها، وليس بمؤاتٍ لمصالحها عودة عجلة الحركة السياسيّة إلى لبنان بمعزل عن حليفها المسيحي ميشال عون وبمعزل عن حزب الله أداتها العسكريّة حزب الله في زعزعة استقرار المنطقة!!
في القراءة السياسيّة؛ ليس سرّاً أنّ حزب الله له اليد الطولى في تنفيذ الكثير من الاغتيالات السياسية في لبنان وما المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري من كبار قيادييه إلا أسفل هرم القتلة الذي لن يلبث أن يتصاعد ولا نعرف إلى أين قد يصل، وهنا لا نخفي مخاوفنا الكبرى من عودة أشباح الاغتيال إلى المشهد اللبناني لضرب أي محاولة للخروج من الشلل المفروض، لأننا حتى الآن لا نعرف ما هي المساحة الحقيقيّة المسموح للرئيس نبيه بري التحرّك داخلها، والخروج على سياسة إيران في لبنان، مع العلم أنّ مخاطر الاغتيال المحدقة بالرئيس نبيه بري كبيرة وشديدة ومنذ العام 2005 ـ فالذين اغتالوا رفيق الحريري لن يتأنوا عن اغتيال نبيه بري ـ وهي تتقاطع مع ذلك الاحتفال لحركة أمل في قصر الأونيسكو والذي تمّ إلغاؤه قبل أشهر قليلة بعد معلومات عن محاولة لاستهداف الرئيس بري أو الاحتفال من قبل جماعة إرهابيّة سلفيّة، لذا في هذه اللحظة العاتية في مواجهة الإرهاب الذي يضرب لبنان شبح الاغتيالات السياسية يزداد خطورة، لأنّ أي اغتيال سياسي سيتسبب في الإطاحة بالبلاد والعباد.
وتتساوى مخاوفنا في هذه المرحلة من استهداف الرئيس نبيه برّي، مع مخاوفنا من استهداف رئيس حكومة لبنان في أحلك أيامه الرئيس تمام سلام، لأنّ استهدافه سيطيح بالمؤسسة الوحيدة الباقية التي يتنفس عبرها وجوده السياسي الوطني والدولي خصوصاً في ظلّ عدم وجود رئيس للبلاد، وهذه المخاوف تتساوى أيضاً مع مخاوفنا من استهداف أحد أبرز وجوه لبنان في هذه الحقبة السياسيّة وهو وزير الداخليّة نهاد المشنوق «حاكم لبنان الإداري»، والذي ليس بخفيّ أن الرّجل خاض مواجهة دامية مع إمارة الإرهاب في سجن رومية، وضرب بيد مناقلاته تشكيلات الفساد التي اعترت جسد المولجين بحفظ أمن السجون فحوّلوها إلى بؤرة تدير الإرهاب وتجارة المخدرات من داخل السجن، خصوصاً مع تلك الهتافات «التظاهرتيّة» التي لا نصنّفها إلا في خانة خطر التهديد باغتيال الرّجل!!
وإلى جانب هؤلاء الثلاثة تزداد مخاوفنا على العماد جان قهوجي قائد الجيش الذي يواجه على رأس الجيش اللبنانيّة حرباً أخطر بكثير من تلك التي خاضها الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد ودفع ثمنها الجيش لاحقاً اغتيالاً مروّعاً للواء فرانسوا الحاج في 12 كانون الأول 2007، أمّا خامس المستهدفين الذين تنتابنا مخاوف كثيرة عليهم فهو وزير العدل اللواء أشرف ريفي وليس سرّاً أنّ الرجل هدف شرس وتحيق به نوايا استهدافه بالاغتيال منذ كان على رأس مؤسسة قوى الأمن الداخلي، خصوصاً أنّه تصدّى عدّة مرات لمحاولات تفجير طرابلس والشمال اللبناني وحاولة تصويرها على أنها بؤرة وبيئة حاضنة للإرهاب والتطرف.
جلسة مجلس الوزراء اليوم ستكشف مسار الأيام الحكومية المقبلة ومدى علوّ سقف التعطيل الذي ستبلغه البلاد وحجم ردود الفعل عليه، ونذر الشرّ التي قد تضرب لبنان عن سابق تصوّر وتصميم، وعندها لن يبقى سقف فوق رأس لبنان ولا فوق رؤوس اللبنانيين، حمى الله لبنان وشعبه، مما يحاك لهم ويراد بهم، وكشف عنّا «المعطّلين» وتحالفاتهم المميتة!!