IMLebanon

هل يُؤثر التصعيد الخليجي ضدّ نصرالله في حوار حزب الله ــ المستقبل؟

عندما تتدخل السعودية ودول الخليج وتركيا ومعظم دول العالم في سوريا لاسقاط النظام، وعندما يشارك حزب الله في الحرب الدائرة هناك دفاعا عن المقاومة وحماية للحدود اللبنانية، وعندما تتحول المنطقة برمتها الى ساحة مفتوحة «للكباش» المستمر بين محور المقاومة وخصومه الذين اسقطوا كل حدود للسيادة ويستخدمون كل ما «ملكت ايديهم» لدعم المجموعات الارهابية، تتحول تهمة تدخل الامين العام لحزب الله السيد نصرالله في الشأن البحريني الى «نكتة» سمجة لا تثير الضحك، بل تثير الاسى والاشمئزاز في آن واحد. فلماذا هذه الضجة المفتعلة في الجامعة العربية ؟ ولماذا هذا الاستنفار الخليجي؟ وهل من تاثير لهذه «الازمة» بالساحة اللبنانية في شكل عام وفي الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل على وجه الخصوص؟

اوساط سياسية رفيعة في 8 آذار تشير الى ان السؤال هو لماذا لا يحق للسيد نصرالله ابداء رأيه في مجريات الاحداث في البحرين؟ وليس لماذا يتدخل في شؤون دولة عربية ذات سيادة؟ مع وضع اكثر من «خط» تحت كلمة «سيادة». والسؤال الاهم هو لماذا هذا التجييش المبرمج «والمبالغة» داخل اروقة الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي على كلام الامين العام لحزب الله؟ مع العلم انه لم يطلق اي تهديد مبطن اوعلني يستوجب هذه الحملة.

وتلفت تلك الاوساط الى ان ثمة تحميلاً مقصوداً لكلام السيد نصرالله بما يتجاوز حقيقة مقاصده التي لا تتجاوز مساعدة «الثورة» البحرينية على خرق هذا التعتيم الاعلامي الرهيب الذي يطوق هذا الحراك السلمي المستمر منذ نحو اربع سنوات، والجهات المتورطة في قمع «الثورة» البحرينية تعرف جيدا حجم تاثير السيد نصرالله على المستوى الاعلامي وتدرك ان استمراره في اثارة هذا الملف يساهم بشكل كبير في اعادة تسليط الضوء على ما يحصل هناك من عمليات قمع مدروسة ضد جزء كبير من الشعب البحريني. ولذلك فان جزءاً من هذه الحملة يهدف الى محاولة منع السيد نصرالله من ابقاء هذه القضية في دائرة الضوء لما له من تاثير معنوي كبير داخل البحرين، وكذلك على مستوى العالم العربي حيث يعيد كلام السيد النقاش مجددا حول ما يحصل هناك في كل مرة يثير فيها «المظالم» في تلك الدولة الخليجية. وللاستدلال على اهمية العامل الاعلامي تجدر الاشارة في هذا السياق الى التهديدات المستمرة بوقف بث قناة المنار على القمر الصناعي «عرب سات»، في كل مرة يثار فيها الملف البحريني على هذه القناة. فثمة رغبة واضحة بالتعتيم وجل ما يقوم به حزب الله هو ابقاء هذه القضية في دائرة الضوء.

وتلفت اوساط ديبلوماسية في بيروت الى ان احدى المفارقات المهمة التي تدركها الدول الخليجية وفي مقدمها السعودية، ان حزب الله غير معني بالتدخل المباشر في الحراك البحريني، والسطات البحرينية ومعها اجهزة الاستخبارات العربية والغربية حاولت على مدى السنوات الماضية الحصول على ادلة تشير الى تورط الحزب في هذا الامر، ولكنها فشلت، لان هذا الامر غير موجود اصلا، وما تعرفه تلك الاجهزة انه لو اراد الحزب تقديم مساعدات لوجستية لتحويل الحراك هناك الى معارضة مسلحة لما وقفت في وجهه اي من العوائق السياسية او الامنية، وكان ليحصل ذلك دون تدخل مباشر منه، وثمة الكثير من الوسائل «الملتوية» التي يمكن استخدامها لايصال هذا الدعم الى تلك المعارضة، لكن لا الحزب لديه نية لفعل هذا الامر ولا المعارضة البحرينية ترغب في ذلك. كما ان ايران غير معنية في تفجير الاوضاع في البحرين، وذلك رغم التدخل العسكري «الفج» للمملكة العربية السعودية التي ساهمت عبر قوات «درع الجزيرة» في قمع دموي للمسيرات البحرينية، لكن الرد كان بالجنوح نحو المزيد من السلمية وعدم الانجرار الى «عسكرة» الانتفاضة، لان المصلحة الاستراتيجية لايران وحلفائها تكمن في عدم اعطاء السلطات البحرينية اي تبرير لتصعيد اعمال القمع والعنف، وعدم تكرار الاخطاء التي ارتكبتها الرياض وغيرها من القوى الاقليمية والدولية في سوريا عبر تسليح المعارضة لاسقاط النظام ما ادى الى داومة من العنف الدموي لا ترغب به طهران او حزب الله في البحرين، بينما تحاول السلطات استدراج المعارضة اليه بكل الوسائل.

وتشير تلك الاوساط الى ان الازمة المفتعلة ليست في كلام السيد نصرالله وانما في الخط البياني السعودي الذي ينحو نحو التصعيد، فبعد جريمة الاحساء التي نفذها تكفيريون في احدى الحسينيات في المنطقة الشرقية في السعودية، اظهر الشيعة هناك اعلى درجات ضبط النفس ولم يستغلوا هذا الحدث لاثارة الفوضى او تصعيد الحركة الاحتجاجية ضد السلطات السعودية، وكان هذا الامر كـ «رسالة» ايرانية واضحة تجاه المملكة تفيد بعدم الرغبة بخلق بؤر جديدة للتوتر، مع العلم ان السعوديين لم يكونوا معنيين بخفض منسوب هذا التوتر باصدارهم حكما بالاعدام على الشيخ نمر النمر. وهذا الامر ايضا تكرر في البحرين بعد ان تجاوزت البلاد «قطوع» الانتخابات بسلام رغم المقاطعة الشاملة لاحزاب المعارضة التي التزمت الحراك السلمي رغم تجاهل مطالبها، فجاء الرد على هذه «الايجابية» باعتقال الامين العام لحزب الوفاق البحريني الشيخ علي السلمان لاسباب «واهية»، مع العلم انه من ابرز زعماء المعارضة البحرينية اعتدالا، ورغم ذلك جاء الرد مزيدا من السلمية في الحراك الشعبي داخل البحرين. والسؤال المطروح هنا، هل المشكلة في تلك الاجراءات التي تعيد التوتر الى البلاد والمنطقة او في الدعم الاعلامي والسياسي الذي قام به السيد نصرالله دفاعا عن «مظلومية» ثورة البحرين؟

ثمة خشية ان تكون هذه الحملة مقدمة لاتخاذ اجراءات خليجية ضد عدد من المغتربين اللبنانيين، وتحميل حزب الله مسؤولية هذا الامر، وهو ما المحت اليه اوساط ديبلوماسية عربية اجرت اتصالات مع مسؤولين لبنانيين خلال الساعات القليلة الماضية، ما دفع وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل الى توسيع مروحة اتصالاته في القاهرة لتدارك احتمال مماثل. مع العلم ان التلويح بهذه «الورقة» سابقا لم يغير من الوقائع شيئا، فالاجراءات السابقة المتخذة بهذا الشان لم تتحول الى عامل ضغط على حزب الله الذي لا يعتبر نفسه مسؤولا عن اي من تلك القرارات المجحفة في حق عدد من اللبنانيين، فهو لم يرتكب اي اخطاء تستدعي ردودا مماثلة، وهو لم ينتهج اي سياسة تضر بالمغتربين، ويمارس حقه الطبيعي في التعبير عن موقف سياسي لا اكثر ولا اقل، اما اذا كانت بعض الدول تريد استخدام هذه «الورقة» لابتزازه وتغيير مواقفه فهي «واهمة».

وعن احتمال تأثير هذه الحملة الخليجية على الحزب في الاجواء الحوارية في بيروت، تستبعد اوساط الثامن من آذار تأثيرا سلبيا مباشرا في المدى القريب والمنظور، فالحوار بين حزب الله وتيار المستقبل يشكل راهنا مصلحة سعودية مرحلية تقتضي «ملء الفراغ» وتمرير الوقت بأقل خسائر ممكنة، للحفاظ على ما تبقى من عوامل قوة «للتيار الازرق» الذي خسر الكثير من «أوراقه» امام التيارات المتشددة التي خرجت عن «السيطرة»، فالاولوية اليوم للتهدئة لافساح المجال لحلفاء الرياض كي «يلتقطوا انفاسهم» بعد ان خسرت المملكة معظم «أوراقها السورية» وتخشى تكرار الامر على الساحة اللبنانية. ولذلك سيبقى الحوار قائما حتى تنتفي المصلحة السعودية، وحينها لن تحتاج المملكة الى استخدام ملف البحرين حجة لوقفه. وفي المقابل لن تؤثر الحملة في موقف حزب الله من الحوار، لكن محاوريه لن يتوانوا عن سؤال وزير الداخلية نهاد المشنوق الذي دعا الى الاعتذار من البحرين، لماذا لم يطالب احد في لبنان من السلطات البحرينية الاعتذار عن تصنيف حزب الله منظمة ارهابية، ولماذا لم تخرج الاصوات اللبنانية المنددة بهذا الاجراء الذي يطال شريحة لبنانية وازنة لا تمثل فقط جزءا من النسيج اللبناني الاجتماعي والسياسي وانما تشكل العمود الفقري لمقاومة لم يصنفها بانها ارهابية الا الاسرائيليون والاميركيون؟؟