سلوك البلاد طريق تأجيل الاستحقاقات الدستورية والسياسية من الانتخابات النيابية الى الرئاسية وحالياً التمديد للقيادات الامنية وبعض رؤساء الادارة الرسمية الهامة، دفع الكثير من «الطامحين» الى تغيير اولوياتهم من تكثيف الحضور السياسي والاعلامي والاجتماعي وتقليص حجم الهدايا والخدمات الاجتماعية ورعاية النشاطات والاحتفالات التي تقوم بها البلديات وجمعيات المجتمع المدني. في السياق هناك وجهتا نظر: الاولى تعتقد ان في بلد كلبنان هناك قوتان اساسيتان وتشكلان المدخل الى الحياة السياسية اللبنانية، حزب الله وتيار المستقبل. والثانية تراهن على دور ما للبطريركية المارونية وللاحزاب المارونية الفاعلة كالتيار الوطني الحر والكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية. واذا كان الطموح السياسي حق مشروع وتكفله كل الدساتير والشرع الانسانية والاخلاقية، يبقى النقاش حول كيفية الوصول الى هذا الهدف.
على الساحة السنية تقول مصادر متابعة، نشطت بعض القوى منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري في العام 2005 على اعتبار ان الراحل نجح في انتخابات العام 2000 في «سحق» جميع معارضيه من السنة والرافضين لما كان يسمى بـ«الحريرية» السياسية وسوليدر والانماء والاعمار. ومنذ العام 2005 وحتى اليوم لم ينجح هؤلاء في إيجاد حيثية ما مستقلة لهم بعيداً من التكتلين الاسلاميين الكبيرين تيار المستقبل وحزب الله. فالملتحق بالحريرية السياسية ليس امامه الا تقديم فروض الطاعة للولاء لبيت الوسط وفريق الرئيس سعد الحريري من زعيم الكتلة السياسي الرئيس فؤاد السنيورة الى «مرشدها» الديني السابق المفتي الشيخ محمد رشيد قباني الى المرشد الحالي المفتي عبد اللطيف دريان فإذا رضيا اي السنيورة ودريان سارت الامور من التوظيفات في «اوجيرو» و«سوكلين» الى الادارات العامة بالتعاقد والتوظيف «المبهم» للمحظيين والمقربين الى خدمات بعض المؤسسات التابعة للمستقبل او الدائرة في فلكها من طبابة واستشفاء ومنح مدرسية وتسهيلات مصرفية.
في المقابل بقي معارضو «الحريرية» تضيف المصادر، او الحالة السنية الوطنية يتخبطون بين الولاء للمقاومة وسوريا وبين إيجاد حيثية مستقلة لهم، فسوريا غارقة في مشاكلها وازماتها والقيادة السورية عالقة بين فك الارهاب والتكفير وبين الحصار الدولي السياسي والعسكري والاقتصادي، بينما يبدو حزب الله منفتحا على كل القوى السنية المعارضة للحريرية على حد اعتبارها بيئة حاضنة ومكملة لمشروعه المقاوم العابر للطوائف والمذاهب، لكنه يبقي العلاقة معها في إطار التحالف الاستراتيجي ضمن لقاء احزاب 8 آذار فهي شريكة في المعركة والمغارم والغنائم لكنها ليست صاحب القرار، ومن هنا كان اعتراضها الاخير على حصر التمثيل السني بتيار المستقبل والذي يكاد لا يعترف بهم. بينما هم يطالبون بأن يكون الحوار السني – السني مواكبا للحوار السني – الشيعي وان يتم الاعتراف بحيثياتهم السياسية والدينية وباحزابهم وتشكيلاتهم.
على الساحة المارونية ليست الامور وردية تماما على حدّ قول المصادر، فبعد خروج الجيش السوري من لبنان وإنفراط عقد لقاء «قرنة شهوان» توزعت مكوناته المسيحية بين تجمع قوى 14 آذار والتحق قسم منهم بالحالة العونية التي خرجت من إطار 14 آذار والعداء مع سوريا الى التكامل الوجودي مع المقاومة. والتحق الباقون بركب القوات اللبنانية و«حكيمها» الخارج من السجن، وبعضهم «حن» الى كتائب امين الجميل وبشير الابن وبيار الجد المؤسس. والبعض المتبقي الذي يرى في نفسه ناشطا سياسيا مستقلا ومقربا من نهج 14 آذار، يسعى اليوم الى التمايز عن هذه القوى و»مجلسها الوطني» ويقوم بترتيب الخطوات في إتجاه حارة حريك التي تلقفت هذه المبادرة بايجابية وسعة صدر.
وتصب تلبية نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله ومسؤول الملف المسيحي محمود قماطي لدعوة كميل الفرد شمعون في دارته في الرابية الاسبوع الماضي، في سياق حركة إنفتاحية يقوم بها مستقلون مسيحيون وموارنة ومقربون من 14 آذار في إتجاه حزب الله وعلم ان هذه الاتصالات ستتكثف وان هذا اللقاء لن يكون الاول والاخير و ستتواصل اللقاءات في ظل مباركة قيادة «حزب الله» لهذا الانفتاح والذي تعتقد الدوائر العليا في الحزب انه يصب في إطار التواصل والتحاور الذي تخوضه مع القوى السياسية والحزبية والشخصيات والفاعليات من جميع الطوائف والمذاهب.
قد يعتقد البعض ان حزب الله يحاذر الخوض في التقارب مع القوى المسيحية منعا لتحسس حليفه العماد ميشال عون بالدرجة الاولى وتيار المردة وزعيمه النائب سليمان فرنجية، لكن دوائر القرار في حزب الله تؤكد ان نهجنا الحواري الانفتاحي ليس مستجدا او طارئا او تحت الطاولة وفي الخفاء فسياسة اليد الممدودة والابواب المفتوحة هي في إتجاه الجميع حلفاءً وخصوماً فالتواصل والتشاور مع الحليف امران بديهيان ولكنهما مع الخصوم مهمان لتقريب وجهات النظر وتقريبها وتقسيط الخلاف والبناء على المشتركات وكل هذا الحراك يحصن الساحة ويمتنها في وجه ابواق الفتنة وموجات التكفير والارهاب.