IMLebanon

هل بات ضرورياً بعد الخطاب الناري لنصرالله توقّع مرحلة جديدة في الداخل اللبناني؟

كثر ممن هم في محور المقاومة،او من هم في الصف المعادي، جال الخوف والخشية في خاطرهم وهم يستمعون الى الخطاب الناري الاخير للامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بعد ظهر الاحد الماضي ومستوى الهجوم الاكثر حدة ضد الرياض مذ فُتح باب الانتقاد ضدها احتجاجا على اعدام الشيخ نمر باقر النمر.

مشاعر الخوف نبتت في صدور الخائفين اصلا على اهتزاز المعادلات الداخلية المقبولة الى حد ما والقائمة على اساس ان لا مجال لأي تطور دراماتيكي يؤثر على الاستقرار الامني او على المسار السياسي المألوف والمبني على المراوحة والانتظار واستهلاك الوقت.

اما مشاعر الخشية فقد تسللت الى وجدان الحرصاء على النظر الى تحولات المشهد الاقليمي عموما وامكان ارتفاع منسوب التوتر المستوطن اصلا منذ اكثر من خمسة اعوام والمخيم ثقيلا على ساحات عدة صار الترابط بينها مثل الترابط بين الاواني المستطرقة حيث التأثر سلبا وايجابا ومن بينها حتما الساحة اللبنانية.

هذا الخوف هو اذاً في محله، والخشية لها بطبيعة الحال ما يبررها ويعززها، فالسيد نصرالله صار يتصرف منذ زمن، وتحديدا منذ ان اسقط غداة الحرب على اليمن حرمات او حدودا او لياقات، كأنه في حال حرب مع الرياض. لذا لم يكن غريبا على سيد الحزب ان يستأنف حربه السياسية والاعلامية المفتوحة في اتجاه الرياض وان يستخدم في خطابه مخزونا لم يطرقه قبلا من المواقف والعبارات، فاللحظة بالنسبة اليه مواتية عاطفيا وسياسيا وحتى على مستوى المناخات الداخلية والخارجية، وبات يتصرف على اساس ان ردود الفعل الداخلية المناهضة له قد صارت مستنفدة وصداها الداخلي غير ذي شأن، وان امكانات انفتاح ابواب الفتنة المذهبية المخشو منها قد ولى زمنها بناء على تجارب وحسابات عدة.

وعليه، كان السيد يعلي ويعلي صوته وكأنه سيد اللعبة بلا منازع، ومالك زمامها ومدرك سلفا حدودها وحجم رد الفعل.

ولم يطل حبل التكهنات والتوجسات، فبعد اقل من اربع وعشرين ساعة على الكلام الناري لنصرالله كانت مصادر الحزب و”تيار المستقبل” تبلغ من يعنيهم الامر انهما ليسا الا في وارد المضي قدما في طاولة الحوار الثنائي المستمر بينهما منذ ما يزيد على سنة، والذي يتم في رعاية عين التينة الاكثر اختصاصا في صنع طاولات الحوار على انواعها. وصار الاعلاميون في اجواء ان جلسة الحوار المقبلة بين الطرفين ستعقد لا محالة في موعدها المقرر سابقا الاثنين المقبل.

وهذا في عرف بعض المواكبين دليل على ان الحزب وضع من خلال الكلام الاخير لسيده سقفا وعنوانا لمرحلة سياسية بمواصفات جديدة، وان الطرف الاخر، اي “المستقبل”، قد قبل بشكل او بآخر التعاطي الحواري ولو غير المنتج مع الحزب تحت هذا السقف.وهذا يعني ان الجميع مضطرون، طوعا او قسرا، الى التعايش زمنا آخر مع حوارين منفصلين مع علمهم المسبق انه حوار لن يتجاوز اخذ الصورة الجامعة لكل اطياف اللون السياسي بالنسبة الى الحوار العام، وانه لن يتعدى كونه عملية ربط نزاع بالنسبة الى الحزب والتيار وذلك في انتظار آت يراه كل طرف من منظار مختلف، ويعقد كل طرف سلة رهانات عليه.

وهذا الواقع سيفضي تلقائيا الى ثلاث وقائع:

الاول، عودة السياسة في لبنان الى حال الكمون والجمود الى اجل غير مسمى.

الثاني، قبول الذين يصنفون انفسهم سادة المبادرات او المناورات بواقع البطالة السياسية ولو المقنّعة.

والثالث، تتعزز آمال الذين ما انفكوا يراهنون على زمن سياسي يؤسس لتحولات وتغيرات في بنية النظام السياسي المأزوم الى درجة التشرنق، لا سيما بعدما تبددت فرص عقد تفاهمات داخلية تنقذ ما يمكن انقاذه وتعيد بعث الروح في جسد هذا النظام.

انطلاقا من هذا كله، يبدو جليا ان خطاب نصرالله وعاصفة التداعيات التي خلّفها قد دفعت المولجين بحراسة المبادرة الرئاسية والحيلولة دون اعلان نعيها الى خفض منسوب رهانهم على اداء هذه المهمة الشاقة.ولم يعد خافيا ان طرفا اساسيا معنيا بهذه المبادرة ومطلوبا منه التجاوب معها وهو “حزب الله ” قد اتبع نهج تجاهل هذه المبادرة كليا، اذ غابت عن خطابه السياسي في الشهر المنصرم، وهذا يندرج في سياق توجه معد عنوانه ان ذروة التعاطي مع هذا الحدث تجسدت في اللقاء الذي عقد بين نصرالله والنائب سليمان فرنجيه حيث كان الاول واضحا في ارتيابه من المبادرة والدعوة الى مزيد من الصبر كجزء اساسي من الخطة “ب” التي سأل عنها فرنجيه، ثم كان رد آخر حاسم من على ابواب بكركي حيث قال موفد الحزب ان مرشحنا كان ولا يزال العماد ميشال عون واننا لسنا في وارد الطلب من عون التخلي عن ترشيحه.

امر آخر صار يقينا بالنسبة الى الحزب هو ان التطورات الداخلية والاقليمية المتدحرجة اظهرت ان المبادرة كانت مرتجلة ومسلوقة ولا صلة لها باية تفاهمات خارجية او وقائع وتفاهمات داخلية بدليل ان الكثير ممن يفترض ان يكونوا رعاتها قد بدأوا بالتحلل منها وافقادها صفة المبادرة، وهذا ان دل على شيء بالنسبة الى الحزب انما على ان المبادرة ستبقى معلقة بالهواء ليس اكثر.

وفي المقابل ثمة من يرى ان فرصة لبننة الاستحقاق الرئاسي ما زالت متوافرة انطلاقا من امرين: الاول لان الانهاك قد اصاب الجميع، والانهاك والصدفة هما احد عاملين اثنين ينتجان الرئيس في لبنان وفق التجارب. والثاني اقتناع الجميع بان تحصين الواقع اللبناني من عواصف الخارج التي تعلو يوما بعد يوم يكون باقتناص الفرصة وبمبادرة جريئة تفضي الى فتح الابواب الموصدة منذ زمن.

واذا كان صمود الداخل هو سمة المرحلة الانتظارية التي طالت، فان السؤال المطروح هو: هل ستظل هذه السمة قائمة بعد التطورات الاخيرة؟

ثمة من بدأ يشكك، خصوصا بعد الحدث الاخير في مزارع شبعا.