هذا السؤال ـ ولا نذيع سرّاً هنا ـ كان موضع تجاذب في كثير من الحوارات التي دارت في فلك اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، منذ الرابع عشر من شباط العام 2005؛ بل منذ اللحظة التي وصف فيها تلفزيون المنار رفيق الحريري بـ»القتيل» ليعود وأمام الغضب اللبناني العارم ليستخدم وصف «الشهيد» في نشراته الإخباريّة لتداعيات اغتيال شهيد لبنان.. وازدادت حدّة السؤال اشتداداً بعد «الصمت المريب» الذي التزمه حزب الله وغيابه عن المشهد اللبناني الغاضب، فيما لم يخفِ شارعه في تلك الأيام «العاشورائيّة» بعض «السرور» باغتيال رفيق الحريري، فيما غرق الشارع الشيعيّ اللبناني في حزنٍ عميق كسائر اللبنانيين، ومع هذا ارتفع لاحقاً صوت الحزب عالياً في محاولة أولى لمنع قيام تحقيق دوليّ، ثم إلى موقف الحزب في 8 آذار ومشهد «شكراً سوريا»، ثمّ إلى الضغط للقبول بلجنة تحقيق عربيّة يسهل لاحقاً نسف كل ما تتوصل إليه بانقسام واتهامات عربية متبادلة ومعهودة، كلّ هذا، في وقت كان فيه كل اللبنانيين بما فيهم جمهور حزب الله مدركٌ لتورّط نظام بشّار الأسد في اغتيال الحريري من ألف المخطّط إلى يائه.
منذ تسع سنوات، طرح كثير من اللبنانيين هذا السؤال وفي كلّ جلساتهم، يومها كانت إجابة كثيرين من البيئة الحاضنة لحزب الله، حائرة أمام هذا السؤال: «إذا الحزب متورّط بيكون من دون ما يعرف السيّد»، ومع اغتيال الشهيد جبران تويني في 12 كانون الأول 2005 وردّ فعل نواب حزب الله وانسحابهم من الحكومة لمنع تقديم طلبِ ضمّ جرائم الاغتيال اللاحقة لاغتيال الرئيس الحريري إلى ملفّ التحقيق الدوليّ، ولاحقاً في العام 2006 استقالة الوزراء «الشيعة» من الحكومة لتعطيل إقرار المحكمة، ولاحقاً إغلاق المجلس النيابي في وجه إقرار المحكمة، مشوارٌ طويل تأكّد فيه للبنانيين كلّ ما كان ظنوناً وشكوكاً، بحدسهم أدرك اللبنانيّون أن الحزب متورّط، ونقول؛ وبصدق وبجرأة، أن كثيرين نظروا إلى اغتيال «عماد مغنيّة» على أنه «انتقام إلهيّ» من المتورّطين باغتيال الرئيس الشهيد، وما اسم «مصطفى بدر الدّين» رأس لائحة القتلة من قيادات حزب الله التي تحاكم اليوم إلا إشارة تثير شكوكاً حقيقيّة عن دور «مغنيّة» في التخطيط لهذا الاغتيال باعتباره الرأس العسكري والقائد الحقيقي لحزب الله آنذاك من وراء الستار؟!
ويُرتّب علينا السؤال المحوريّ لهذا الهامش، عبء الإجابة بصدق وبجرأة، هل أمين عام حزب الله حسن نصرالله متورّطٌ في قرار اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟
الإجابة عن هذا السؤال ستقسم المشهد اللبناني إلى ثلاثة أقسام لتزيد الانقسام الحاليّ انقساماً، فقسمٌ أوّل؛ يرى لنصرالله عصمةً وهالةً ستمنعه حتى من مجرّد التفكير في الأمر، بل والذهاب إلى أبعد الحدود في تبنّي فعل التورّط ـ إن حدث ـ واعتباره أمراً مقدساً، فالرّجل في نظر «عُبَّادِه» نصف إله «معصوم»من كلّ خطأ، وكلّ قراراته «مهدويّة»!!
وقسم ثانٍ؛ يرى استحالة تورّط حسن نصرالله في اغتيال الشهيد رفيق الحريري، ويدفع عن نظريّته هذه بحجّة أن نصرالله وإنْ كان الأمين العام للحزب فإنه ليس بصاحب القرار، وأنّه فقط الخطيب المفوّه وهو ـ بما كان له ـ من سلطة الإبهار والكاريزما عند الناس مكلّفٌ بتسويق سياسات إيران عبر الحزب أمام الجماهير، ويزيدُ في دعم هذه النظريّة بأنّ نصرالله نفسه لم يكن يعلم ولا مطّلع على قرار الحرس الثوري الإيراني، أو في حدّ أدنى على قرار عماد مغنيّة باختطاف جنودٍ إسرائيليين في 12 تموز العام 2006، وأنّه فوجئ بالعمليّة مثله مثل كلّ اللبنانيين، وأنّ الرّجل عندما قال: «لو كنتُ أعلم» كان صادقاً فيما قال؛ لأنّه لم يكن يعلم!!
وقسم ثالثٌ ترى إجابته عن هذا السؤال بأنّ نصرالله كان على علمٍ بقرار اغتيال الحريري، وأنّه من موقعه، كان مطلوباً منه أن يحبس الشبهات في دائرة النظام السوري أو محاولة أخذها باتجاه إسرائيل، والمتتبّع لإطلالات نصرالله التلفزيونيّة في الأيام والأشهر التي تلت الاغتيال ـ الزلزال، وتلك الأحاديث المطوّلة عن اللقاءات غير المعلنة بينه وبين الحريري استُخدِمت لإبعاد الشبهات عن الحزب مع تزايد الإشارات إلى خروج السيارة المفخّخة من «دياره» حتى اضطرّ نصرالله للخروج والإعلان أن السيارة المفخخة التي استهدفت الحريري إنْ خرجت من الضاحية فهذا لا يعني أن «الشيعة» قتلوا رفيق الحريري، ولا إنْ خرجت من الأشرفية فهذا يعني أن المسيحيين قتلوا رفيق الحريري»، مع ملاحظة أن الضاحية كانت «مربع الحزب الأمني»، فيما الأشرفية ليس فيها لا مربّعات ولا مثلثات أمنيّة!!
منذ أمس الاثنين دخلت المحكمة الدوليّة مرحلة جديدة، ودخل معها لبنان مرحلة جديدة، وثمّة ترقب يسيطر على اللبنانيين، وتساؤل عمّا سيقوله الشهود السياسيّون أو الأشخاص المقرّبون من الشهيد رفيق الحريري، واللبنانيّون بانتظار الدفعة الثانية من أسماء المتهمين، ولن يرفّ للبنانيين جفن إن ضمّت الدفعة الثانية من المتهمين الأسماء التي أعلنها الشعب اللبناني قبل قرار المدّعي العام، ولكن ثمّة تساؤل حقيقي عن أسماء قيادات حزب الله التي ستلي اسم مصطفى بدر الدين، وهذا مبعث مخاوف كثيرة وحقيقيّة قد تفتح رياح عاصفة عاتية على أبواب لبنان «المخلّعة»!!