فيما تتركّز الأنظار في المنطقة والعالم على جملة ملفات متفاعلة ومتداخلة، يلفت سياسي عربي مخضرم النظر الى ما يجري في القدس وما يتصل بها من قضية النزاع العربي – الاسرائيلي.
وحسب هذا السياسي، في القدس مشهدان متناقضان، أوّلهما مشهد تهويد مقدسات وتدنيسها، واقتحام مستوطنين ونواب ووزراء حرم المسجد الاقصى، بل اقتحام رجال الشرطة المسجد القِبلي للمرة الاولى منذ الاحتلال ومحاولة حرق محتوياته من سجاد ومنبر وموجودات أخرى.
أمّا المشهد الآخر، فهو مواجهة شجاعة وباسلة يقوم بها أهل المدينة والمرابطون في الاقصى على نحو يحبط كل المخططات الاسرائيلية، بل ويصل الى حد تطوير أساليب هذه المواجهة لتصل الى عمليات دهس لمستوطنين وعسكريين اسرائيليين.
ولقد كان رد الفعل الاسرائيلي مفاجئاً لكثيرين إزاء هذا التطور في أساليب المقاومة، فقال وزير الاقتصاد الاسرائيلي المعروف بتطرّفه انّ بلاده لا تملك قبضة فولاذية لحماية مواطنيها من عمليات الدهس، فيما صرّح ضبّاط استخبارات اسرائيليون حاليون وسابقون أنّ اجهزة أمنهم لا تستطيع كبح جماح هذا النوع من العمليات، فيما أفتى حاخام أحد اكبر المستوطنات بتحريم دخول اليهود الى المسجد الاقصى لئلّا يشكل ذلك مبرراً لعمليات تستهدف أرواح اليهود خارجه.
حتى أنّ وزير الخارجية افيكدور ليبرمان، المعروف هو الآخر بتطرّفه ومزايداته، انتقد زملاءه ممّن دخلوا الى الحرم القدسي، وقال: «انّ هذه الزيارات تأتي في اطار المزايدة والدعاية الانتخابية، وانّ من يقوم بها لا يفكر بمصلحة بلاده، بل بمصلحته الشخصية أو الحزبية».
وهذه التصحريات توّجها رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه حين اتصل بالملك الاردني عبدالله الثاني مؤكداً له انّ ما من تغيير سيطرأ على وضع المسجد الاقصى الذي يقع منذ العام 1967 تحت اشراف الحكومة الاردنية، قاطعاً بذلك الطريق أمام جميع الاسرائيليين من نواب وحاخامات يطالبون بتقسيم زماني ومكاني للحرم القدسي على غرار ما حصل للحرم الابراهيمي في الخليل.
وعلى رغم انّ ردود الفعل العربية والاسلامية ما زالت خجولة حتى الآن، فقد كان لافتاً تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بأنّ الرد على تل أبيب هذه المرة لن يكتفي بعزلها دولياً، وذلك في موقف فسّره مراقبون بأنه محاولة لجذب الرأي العام التركي للالتفاف حول رئيسه الذي يواجه أزمات متعددة في الداخل والخارج من كلفة «القصر الابيض» التي بلغت ستمئة مليون دولار وجعلته أكبر من «البيت الابيض» الاميركي و»الكرملين» الروسي و»فرساي» الفرنسي، وصولاً الى أزقّة عين عرب (كوباني) التي وجد اردوغان نفسه فيها بين مطرقة «داعش» والسندان الاميركي الداعم للكُرد.
إلّا أنّ هذا السياسي العربي المخضرم يعتقد أنّ ما تتعرض له القدس والمسجد الاقصى من مخاطر قد يفتح الأُفق أمام مراجعة شاملة للعلاقات العربية والاسلامية، بل قد يكون مبرراً لمصالحة شاملة بين دول المنطقة والإقليم تطفىء النيران المشتعلة في المنطقة وتوفر لكلّ هذه الدوَل فرص الخروج من المآزق التي تواجهها دولة، دولة.
ويتساءل هذا السياسي المخضرم عمّا يمنع ان تنعقد قمة لمنظمة التعاون الاسلامي تحضرها جميع الاطراف المعنية بالأزمات الملتهبة في المنطقة، من تركيا الى ايران، ومن سوريا الى السعودية، ومن العراق الى مصر فالجزائر والسودان وليبيا.
ويقول: في تاريخ المنطقة المعاصر كثير من السوابق المماثلة، فحين تمكنت اسرائيل من احتلال سيناء والجولان والضفة الغربية عام 1967 طوى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر والملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز خلافهما المستفحل والحرب بينهما في اليمن، والتقيا في قمة الخرطوم وفتحا صفحة جديدة في العلاقات بينهما انعكست دعماً لمصر وسوريا في استعداداتهما لحرب إزالة آثار العدوان.
وعام 1976 حين تفاقمت الازمة اللبنانية، خصوصاً في ظل الخلاف المستفحِل بين الرئيسين الراحلين حافظ الاسد وانور السادات والقائد الفلسطيني ياسر عرفات، لم يكن هناك سوى انعقاد قمة مصغرة في الرياض حضرها الزعماء الثلاثة، وكذلك حضرها العاهل السعودي الراحل الملك خالد بن عبد العزيز وأمير الكويت الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح والرئيس اللبناني الراحل الياس سركيس، وهي القمة التي مهّدت لانعقاد قمة في القاهرة بعد أسابيع، واتُفق فيها على إرسال قوات الردع العربية الى لبنان، والتي أنهَت ما كان يسمى «حرب السنتين».
ويذكّر هذا السياسي المخضرم أيضاً بقمة الدار البيضاء التي انعقدت في أيار 1989، ووضعت آلية لحلّ الازمة اللبنانية عبر تشكيل اللجنة الثلاثية العربية من المغرب والسعودية والجزائر، والتي هيّأت لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب الاهلية اللبنانية.
وكانت تلك القمة ايضاً فرصة لعودة مصر الى جامعة الدول العربية بعد نحو عشر سنوات على توقيعها معاهدة كمب ديفيد مع اسرائيل، وفي هذه القمة ايضاً حصلت مصالحة تاريخية بين الرئيس الراحل حافظ الاسد والرئيس المصري السابق حسني مبارك. فهل تنعقد قمة القدس العربية والاسلامية لتضع حداً للنزاع الدامي والمستفحِل في المنطقة، والذي بات واضحاً أنّ احداً من دول المنطقة لن يكون في منأى عن شظاياه وشرره المتطاير في كل اتجاه؟