«لو لم يوقّع الاتفاق النووي في فيينا، لا أحد يستطيع ضمان تصرّفات إيران المستقبلية في المنطقة». إنها الفكرة الرئيسية التي تحاول الدوائر المختصة في وزارة الخارجية الأميركية الانطلاق منها لتسويق الاتفاق التاريخي مع إيران، برغم أن رياحه الإيجابية لم تلفح دول الخليج المتوجسة من نوايا إيران وتدخلاتها في شؤون المنطقة العربية.
تتفهّم الولايات المتحدة هذا التوجّس الخليجي ولا ينفي الناطقون باسم سياساتها بأنّ جدوى الاتفاق الأولى تتمثل بقناعة أميركية بأنّ تصبح إيران أكثر إيجابية في التعاطي مع المجتمع الدولي ودول الجوار في المنطقة. ويقول خبير إستراتيجي أميركي قدم حديثا من واشنطن في زيارة استطلاعية الى عدد من عواصم المنطقة أنّ إيران ترغب فعليا بأن تكون أكثر إيجابية، لكنّ المشكلة بأنّ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لم تعمد الى سلك ناقل جيّد لماهية الاتفاق وضرورته، «لذا فإن دول المنطقة تحتاج الى شرح واف ومفصّل له».
يشير الخبير ذو العلاقات الواسعة في واشنطن بأنّ الإتفاق سيخلق بيئة سياسية إيجابية «هذا ما تفترضه أميركا، إذ من المتوقع أن يخلق مناخا قابلا لأنّ يدفع القوى الإقليمية العربية والخليجية لإيجاد حلول للمشاكل الكامنة في المنطقة»، نافيا وجود أية بنود سرية بين إيران وأميركا، مشيرا الى أن واشنطن توقفت عن عقد اتفاقات سرية «لأنّها أثبتت فشلها عبر التاريخ».
«داعش» خطر داهم على المنطقة
ماذا إذا رفضت الدول الخليجية الإنصياع لرغبة الأميركيين بالتعاون مع إيران وماذا اذا اختارت التسلح الصاروخي والنووي؟
يرى الخبير الأميركي بأنّ مسألة السلاح النووي «أمر مستبعد في المستقبل القريب، كما أن الولايات المتحدة لا تزال تمارس تأثيرها على الدول الخليجية». ويضيف: «الأفضل أن تبدأ هذه الدول بالتفكير مليا في كيفية مواجهة تنظيم «داعش» الإرهابي، وهو الخطر الحقيقي على منطقة الشرق الأوسط وعلى أوروبا بسبب الإرهاب المتفاقم الذي يؤدي الى نزوح جماعي كثيف والذي يزعزع الإستقرار في دول المنطقة ويجعلها دولا فاشلة».
ولماذا لا تحارب الولايات المتحدة «داعش» بشكل فعّال؟ ولماذا تبدو وكأنها لا تمتلك استراتيجية فعالة لذلك وخصوصا بعد تمدد «داعش» بعد عام من تأسيسه بالرغم من التحالف الدولي الذي تقوده أميركا؟
يجيب الخبير الأميركي: «تمتلك أميركا استراتجيتها، لكن المسؤولين الأميركيين ينطلقون من فكرة أساسية تقول بأنّ على قادة المنطقة إيجاد استراتيجية لمحاربة «داعش» بشكل مباشر وفعال، فإذا قررت بعض دول المنطقة تمويل «داعش» و «جبهة النصرة» لحساباتها الخاصة فماذا ستفعل أميركا؟ هي بالطبع لن تقف بوجهها لأن الإرتدادات السيئة لهذا التمويل ستقع على الجوار القريب من هذه الدول المموّلة. ثمّة دول في المنطقة أسهمت في تنمية هذا الكائن الإرهابي الخطر وتقويته، صحيح بأن الولايات المتحدة أسهمت بخلقه أيضا بسبب اجتياحها للعراق في العام 2003 لكنها لا تعاني من تصرفاته الإرهابية كما تعاني هذه المنطقة».
أميركا لن تتدخّل.. إلا
ويلفت الخبير الانتباه الى أن هذا التصرف الأميركي في عهد باراك أوباما «يشكّل تبدلا جذريا في المقاربة الأميركية للأوضاع في الشرق الأوسط، فإذا شعرت الرياض أو أبو ظبي أو الكويت وسواها من الدول بالتهديد فلتصرف أموالها لمجابهة «داعش» وهي تصرف أموالا طائلة لشراء الأسلحة الأميركية والفرنسية والبريطانية، فلتحرّك رؤوس أموالها وجيوشها لمحاربة «داعش». ويضيف: «هذه هي المقامرة التي يقوم بها أوباما، وبالتالي فإن انخراط الأميركيين في حرب مباشرة ضدّ «داعش» أمر غير مطروح إلا في حالات ثلاث: أن يهاجم «داعش» مصالح أميركية أوروبية بشكل مباشر ويقوم بأعمال إرهابية على أراضي هذه الدول، أو أن يهدد أمن إسرائيل، أو أن يسبّب موجات نزوح كبرى لا يمكن ضبطها».
الاتفاق الإيراني وسوريا
«هذا الانكفاء الأميركي سينسحب أيضا سياسيا على ملفات المنطقة برمّتها، ولن يكون من انعكاس مباشر للاتفاق النووي مع إيران على سوريا واليمن وليبيا والعراق» يقول الخبير الإستراتيجي الأميركي: «يقول الأميركيون لشعوب هذه الدول حظّا سعيدا. في سوريا مثلا ستستمر الجهود الديبلوماسية والوساطات الى حين شعور أحد الأفرقاء المتحاربين بأنه تعب من الحرب ولم يعد بمقدوره الاستمرار وأنه بحاجة الى تسوية سياسية. وستستمر الفوضى في ليبيا وتونس وسواهما حتى تقرر شعوب المنطقة التغيير، ما عدا ذلك، إذا نجح «داعش» في هزّ الولايات المتحدة أمنيا أو تهديد حلفائها عندها فقط يستجلب قدوم الأميركيين للحرب هنا».
«حزب الله» الرابح الأكبر
لبنانيا، يرى الأميركيون نتائج إيجابية واضحة على لبنان في حال تمكنت قوى 14 آذار والدول التي تدعمها من التصرّف «بشكل ذكيّ» كما يقول الخبير الأميركي: «إذا كانت الدول الخليجية ترى بأنّ تنظيم «داعش» يهدد كياناتها عليها أن تقتنع بأن اتفاق فيينا مع إيران سيكون عنصرا رئيسيا في صدّ هذا التنظيم واحتوائه وحماية المنطقة، وذلك لأن المعتدلين السنّة والشيعة هم أوّل المهددين من قبل «داعش» الذي يتمدد ويقوى يوما بعد يوم. لذلك، لهذه الدول مصلحة أكيدة في هذا الاتفاق، لكن لا أعتقد بأنها قادرة على التعامل معه بإيجابية بسبب غياب المرونة السياسية والكره لإيران».
ويضيف «هذا هو الفارق الكبير بين الخليج وإيران، وبين «تيار المستقبل» و «حزب الله» الذي تمكّن لأعوام طويلة من إظهار مرونة قلّ نظيرها حوّلت مشاكله وخيباته الى مكاسب سياسية».
لبنانيا أيضا يرى الأميركيون خطرا داهما على كيان الدولة ومؤسساتها بسبب الشغور الرئاسي المتمادي، ويقول الخبير الأميركي بأنّ «حزب الله» سيكون أكبر مستفيد من الاتفاق النووي «ولو لم يتم الاتفاق لتوقف التعاون الأميركي الإستخباري والأمني والعسكري (كما أقدّر) مع «حزب الله» وهو تعاون جنّب لبنان الكثير من ويلات التفجيرات والمؤامرات الأمنية التي تمّ فضحها بسبب هذا التعاون الثنائي».