إنحسرت المواجهة بين «حزب الله» و«داعش» إلى الحدّ الأدنى. وهذا مثير للإهتمام، ومخالف لغالبية المعلومات والتحليلات التي كانت تتوقع تصاعد النزاع الدموي بين الطرفين إلى ذروته في هذه المرحلة.
في الفترة الأخيرة، برزت معطيات تؤكد أنّ «حزب الله» بات أكثر إطمئناناً إلى مسار المواجهة مع «داعش». وبعيداً من التحليلات «الخبيثة» التي توحي بأنّ جزءاً من حراك «داعش» ربما يتحكم به المحور الإيراني- السوري، فإنّ «حزب الله» يستفيد اليوم من عوامل عدة تبعده عن «داعش» أو تبعدها عنه، ما أدى إلى تراجع في إحتمالات الإحتكاك الدموي المباشر بينهما.
وتتقاطع المعطيات كالآتي:
1- هناك «كباش» اليوم بين «داعش» والدولة اللبنانية، من خلال ملف العسكريين المخطوفين وتردّداته، وهذا الكباش لا يدخل فيه «الحزب» مباشرة. وعلى العكس، قام «الحزب» بعملية تبادل سرّية وناجحة مع «داعش»، فيما تتخبط الدولة في إرباكها. ومن هنا الإتهامات التي يطلقها البعض، والتي تتحدث عن مصلحة لـ»الحزب» في إستمرار ملف المخطوفين قائماً، مع أنه ينفي ذلك ويعتبره من باب التجنّي.
2- بات «حزب الله» على يقين بأنّ المجتمع الدولي لن يسمح بدخول «داعش» إلى لبنان للتخريب. وفي الأيام الأخيرة، إندفعت قوى دولية فاعلة إلى دعم لبنان في مواجهة «داعش». والأبرز هو الدور اللوجستي البريطاني في بقعة الحدود مع سوريا، والدعم الإستخباري المباشر للأجهزة اللبنانية في كشف الخلايا (المرأة المشتبه بأنها زوجة البغدادي مثلاً).
3- إنطفأت كلّ البؤر التي كانت، في تقدير «الحزب»، تشكّل هاجساً لإنفجار «داعشي» في لبنان: عرسال، عكار، طرابلس، بعض بيروت، بعض البقاع الغربي وصيدا- عين الحلوة. ونجح «الحزب» في إستمالة «سنّة الإعتدال» اللبنانيين (تيار «المستقبل» تحديداً) في وجه «سنّة التطرّف»، من خلال المواقع الحسّاسة التي أعطيت لهم في الحكومة، وتالياً الحوار الموعود.
وستكون للحوار المنتظر بين «المستقبل» و»الحزب» مفاعيل مباشرة على هذا الملف. فالحوار لن يتطرّق لا إلى سلاح «الحزب» ولا إلى تورُّطه في سوريا ولا إعلان بعبدا. وهذا يعني أنّ «المستقبل» غضّ النظر، مرحلياً وحتى إشعار آخر، عن هذه المسائل، ما يمنح «الحزب» غطاءً وطنياً يحتاج إليه في المواجهة السورية.
4- يدرك «الحزب» أنّ لبنان ليس أساساً جزءاً من خريطة «الدولة الإسلامية في العراق والشام». و»داعش» تخوض معركتها فيه، «بدلاً عن ضائع» ربما، أو ردّاً على عنصرٍ محدَّد، وهو مشاركة «حزب الله» ميدانياً في الحرب السورية.
وفي بعض الأوساط السنّية مَن يقول: إنّ «داعش» لم تتحرّك لا في الأردن ولا في تركيا لأنّ أيّ قوة في هذين البلدين لم تخرج عبر الحدود لتقاتلها في سوريا. لكنّ «الحزب» لطالما سخر من هذه المقولة. وقد طرح أمينُه العام السيد حسن نصرالله سؤالاً قبل أسابيع، مفاده: هل كان أحد يصدّق بأن «داعش» لم تكن لتتدخل في لبنان لو لم نلجأ إلى مواجهتها إستباقياً في سوريا؟
5- يعتقد «حزب الله» بأنّ ما تملكه «داعش» من قدرات عسكرية، في المنطقة التي تتحرّك فيها حالياً، أيْ عرسال والجرود المجاورة، لا تشكل خطراً حقيقياً. فالتنظيم محصور في القلمون بين نارَين: النظام السوري من جهة، والجيش اللبناني و»حزب الله» من جهة أخرى. وفي الأشهر المقبلة، ستزداد «داعش» ضعفاً في هذه البقعة، بسبب قطع الطرق الوعرة بالثلوج. وهذا يعني تجميد أيّ حراك حقيقي للتنظيم في المنطقة خلال فصل الشتاء والنصف الأول من الربيع.
لهذه الأسباب، يرتاح «حزب الله» في هذه الأيام، ويتراجع منسوب القلق لديه إلى الحدّ الأدنى منذ دخوله الحرب في سوريا. والهم هو أنه عطّل، ولو مرحلياً، عمليات التفجير الإنتحارية التي أثارت هواجسه في مرحلة سابقة.
لقد أتقن «حزب الله» لعبة النزاع، على تعقيداتها. ولعله الأكثر قدرة على التحكُّم الهادئ بالفعل، فيما معظم الآخرين يرتبك في ردود الفعل!