لم يكن اللقاء السريع والمختصر بين الرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون، إلا رسالة أولى يستهلّ بها رئيس حركة «أمل» معركته «الديموقراطية» في خضم مرحلة سياسية مختلفة بالكامل عن تلك التي عايشها منذ العام 1992، حتى اليوم.
يقول أحد المتابعين إن بري بات فعلاً في الموقع الذي أعلنه لنفسه في «المعارضة» وهو «لا يمزح»، بل إنه جدي الى أقصى الحدود.. ويبدو أنه موقع دُفع اليه بري رغماً عنه، كيف لا، وهو الذي كان بمثابة صانع سياسات العهود الماضية ومهندسها، طيلة 24 عاماً.
هي مرحلة بالغة الاختلاف عن السابق، سيقاربها رئيس المجلس بطريقة دقيقة ومحنكة، ومن موقع مختلف. صحيح أنه ليس سهلاً على بري الانتقال الى ضفة جديدة مختلفة عما اعتاد عليه هو وجمهوره طيلة السنوات الماضية، لكن المقربين منه يجزمون بأنه وضع لنفسه «خريطة طريق» للمرحلة المقبلة، بعد التسليم بتتويج عون رئيساً، في جلسة الحادي والثلاثين من تشرين الحالي.
هي سياسة «الخطوة خطوة» سيتّبعها رئيس المجلس، أو لنقل سياسة «كل يوم بيومه»، وهو لن يحرق المراحل عبر إطلاق مواقف استباقية، بل إن غموضه المتعمّد يبدو مفيداً في ما يذهب إليه.
ويشير المتابعون لمواقف بري أن الأخير، الذي سيغادر البلاد إلى جنيف، اليوم، على أن يعود قبل 48 ساعة من جلسة 31، قد وضع «روزنامة» عمل، ولسان حاله يقول «طالما أنها معركة لبنانية، فنحن لها».
وإذا لم يكن ثمة أوهام بأن يحصل النائب سليمان فرنجية على غالبية الأصوات في مجلس النواب، فإن المعترضين على التسوية الرئاسية يأملون ألا يخرج عون من الانتخابات الرئاسية بالقوة التي تمكّنه من الإيحاء بأنه «الرئيس القوي». كذلك الأمر بالنسبة الى الحريري الذي يحتفظ بري بمرارة جراء موقفه الأخير بعقد اتفاق ثنائي مع عون لا يُراعي «الميثاقية الوطنية»، كما يقول المتابعون لمواقف رئيس المجلس.
ويلفت المتابعون النظر الى ان حكومة الرئيس تمام سلام ستتحوّل بعد انتخاب الرئيس الى حكومة تصريف اعمال، وسيدعو رئيس الجمهورية المقبل، أي ميشال عون، الى مشاورات مع النواب لتسمية رئيس الحكومة. يسأل المتابعون: دعونا نفترض وصول الحريري الى رئاسة الحكومة، هل يعتقد أن عملية تشكيل حكومته ستجري بسهولة، وماذا عن مرحلة التأليف، وكيف سيوفق بين مطالب الكتل الوزارية والسياسية؟
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا لو رفض بري، من موقعه المعارض، المشاركة في الحكومة؟ ما يستتبع ذلك السؤال الجوهري: هل يقبل «حزب الله» المشاركة في حكومة يقاطعها بري؟ ماذا عن الميثاقية في هذه الحالة، وماذا عن موقف النائب وليد جنبلاط؟ هل سيشارك في حكومة يغيب عنها «الثنائي الشيعي»؟ ثم ماذا لو جاء الربيع المقبل، موعد الانتخابات النيابية المقبلة، قبل تمكّن الحريري من تشكيل حكومته، أي حين يفقد الحريري صفته كرئيس مكلّف بتأليف الحكومة؟
ويلفت المتابعون النظر إلى أن هذه الأسئلة تختصر الصعوبات التي سيواجهها حلف عون ـ الحريري الثنائي. ويُنهي هؤلاء قراءتهم للواقع المقبل بسؤال «الجنرال»: ماذا سيبقى عندها من شعار «التغيير والإصلاح»، إذا لم يقلع خلال ستة أشهر وظل عالقاً في مدرج التكليف والتأليف حتى لحظة الانتخابات النيابية المقبلة؟