التشكيلة الحكومية لم تصدر بعد رغم كل الاجواء التفاؤلية التي تبشر بها ورغم الاعتقاد السائد بان من انجز الانتخابات الرئاسية لن يكون مستعصياً عليه ان ينجز الحكومة في لحظات، ورغم ذلك فان الحكومة لم تبصر النور بعد .
تبادل الرؤساء على منصة الاستقلال «البون بون» الذي مرره النائب فريد مكاري للرئيس المكلف الذي قدمه لرئيس مجلس النواب وبدوره اعطاه لرئيس الجمهورية وعقدت ثلاث خلوات يقال انها اتسمت بالايجابية في قصر بعبدا وبحلحلة جزء عسير من العقد، لكن التشكيلة لم تصدر في مرحلة «الاستقلال»، حيث الحديث، ان ثمة عقدة عالقة تتعلق بتوزير شيعي من حصة رئيس الجمهورية اضافة الى عقدة القوات التي تتقدم احياناً بحلول تختفي فجأة . وعليه تقول اوساط سياسية مواكبة لعملية التأليف ان تأخر الحكومة ليس عائقاً ولا يعني التصويب على العهد الجديد او ان هناك نوايا لافشاله او «قطع الاوكسيجين» عنه وتكبيل يديه، فتشكيل الحكومة قرار يريده الجميع ومسؤولية كل الاطراف السياسية، وفي المحصلة فان تشكيل الحكومات غالباً ما يستغرق اشهراً، فحكومة تمام سلام استلزمت عشرة اشهراً، وحكومة الرئيس المكلف لن تتجاوز الشهر على ابعد تقدير، لكن ما يحصل ان كل الاطراف في عملية التأليف الجارية تعمل على تكبير ومضاعفة اوزانها واحجامها لانتزاع حصص وازنة وتثبيت حضورها في الحكومة التي ستلي هذه الحكومة على اعتبار ان حكومة العهد الاولى هي حكومة انتقالية.
واذا كان برز منذ بداية المفاوضات الحكومية ان لا وجود لعقد في ما يخص الحصة الاسلامية ، فحصة الرئيس المكلف واضحة ولم يتدخل بها احد وكذلك حزب الله ورئيس المجلس ، فان الاشكالية تمثلت في الحصة المسيحية لتدخل الآخرين بتفاصيل بحسب الاوساط، لمخاوف وتوجس الفريق الآخر من الحصة التي ينوي التيار الوطني الحر اعطاءها لحليفه في معراب تثبيتاً لتحالفه الجديد وتفاهماته السياسية معه ولكن الشعور السائد ان رئيس الجمهورية مستعد لتقديم تنازلات وتضحيات حكومية من اجل حماية تفاهم معراب، وفي الوقت نفسه اقامة توازن مع تفاهم مار مخايل.
وقد ثبت منذ انطلاقة المفاوضات الحكومية ان رئيس الجمهورية ابدى مرونة لانجاز التشكيلة الحكومية وهو بحسب الاوساط لم يضع فيتوات او عراقيل على توزير احد، وبالعكس فان التيار الوطني الحر كما رئيس الجمهورية خففا من سقف شروطهما التفاوضية لتسهيل الولادة الحكومية مقابل ارتفاع شروط التفاوض من قبل الفريق الآخر فرئيس المجلس قرر الى جانب الاحتفاظ بوزارة المالية الحصول على وزارة الاشغال بما تمثله هذه الحقيبة من اهمية حيث يرغب بها كل المفاوضين في الحكومة قبل الانتخابات النيابية، وفاوض بري على حصول المردة على احدى وزارتي الطاقة والاتصالات وهما من ابرز الحقائب مما يجرد الفريق الآخر من حقائب وازنة وخدماتية اساسية قبل الاستحقاق النيابي.
وهنا وقعت معالم الاشكالية، فرئيس المجلس المفوض من قبل حزب الله في عملية التأليف ظهر منذ البداية بصيغة المشاكس والمعارض على غرار الفترة التي سبقت انتخاب رئيس الجمهورية، فهو يتمسك بالمالية والاشغال ويرفض المداورة ولا يريد اعطاء القوات حقيبة سيادية، عدا ان الثنائية الشيعية كما اظهرت المفاوضات ترغب بالشراكة في الحصة المسيحية على غرار شراكتها في الحصة الاسلامية، اما الحديث عن عقبات اخرى فهي لا تعدو كونها محاولات من القوى السياسية والمؤثرين في الاستحقاق الحكومي لانتزاع حصص خصوصاً بعد تبدل الخريطة السياسية والتحالفات وانقلاب الامور رأساً على عقب في الحياة السياسية وتغير قواعد الاشتباك على الساحة السياسية، فسابقاً كانت الاشكالية عند تأليف الحكومات تتمثل بعقدة توزير التيار الوطني الحر الذي كان يتصارع مع فريق 14 آذار وتيار المستقبل تحديداً وحيث كانت الفيتوات تأتي من بيت الوسط على توزير جبران باسيل فيما كان حزب الله يفاوض عن ميشال عون لانتزاع حقوقه الحكومية، اما اليوم فتبدلت معالم الصورة فالرئيس المكلف سعد الحريري بات يستسهل التفاهم مع الخصم السابق «رئيس الجمهورية الحالي» والمفاوضات الحكومية تسير بمرونة بين نادر الحريري وجبران باسيل في حين يبدو التوجس آتياً من مكان مختلف عن السابق، فلا يمكن تجاهل الاشكالية المستجدة في المسألة الحكومية بين المارونية والشيعية السياسية، وتحديداً بين بعبدا وعين التينة، خصوصاً ان رئيس المجلس كان يعارض وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وحيث يبدو وفق الاوساط ان حزب الله الذي اوكل موضوع التفاوض الى بري بانه يعمل على تحييد نفسه وتفاهماته السياسية والاستراتيجية مع الرابية التي حمت المقاومة عند استهدافها وأمنت وصول عون الى قصر بعبدا من اي سقطة او اصابة من شظايا الملف الحكومي .
في مطلق الاحوال فان التشكيلة الحكومية وفق الاوساط لن تطول والحكومة ستبصر النور قريباً، الا ان التأخر لبعض الوقت يكسب فريقاً معيناً شروطاً تفاوضية لانتزاع حصص اكبر، ولكن ليس من مصلحة احد اعاقة او فرملة التأليف لأن كل الاطراف على متن سفينة واحدة فاما تقلع السفينة او تغرق بالجميع، وليس من مصلحة احد افساد مسيرة العهد الجديد واعاقة عملية الاصلاح وعدم اجراء انتخابات نيابية جديدة ومعالجة ملفات الفساد والبيئة والمشاكل العالقة .