IMLebanon

هل تصيب «إشعاعات» الاتفاق النووي لبنان؟

عن تمنيات المتضررين واهتمامات عواصم القرار

اعتاد اللبنانيون ان يُدخلوا «لبنانهم» في اي حدث خارجي، وتذهب مخيلات الكثير منهم بعيدا في التحليل ورسم السيناريوهات والتوقعات، وقياس مدى تأثره بالتداعيات.

حل الاتفاق النووي ضيفا على المجالس السياسية لمحاولة الإجابة عن سؤال: «ماذا عن لبنان»؟

لم تعثر تلك المجالس على جواب يمس جوهر الموضوع. غياب المعطيات، غلّب الرغبات والتمنيات، فتولدت «مشاريع اجوبة» من وحيهما: فريق يجيِّر الاتفاق لمصلحته، ويسقطه كنصر لخطه السياسي. فريق يغلّب الايجابية ويراهن على تسييله رئاسيا. وفريق يغلّب السلبية، يبخس الاتفاق قيمته ويشكك في فعاليته وفي امكان تطبيقه.. وفريق يغلب الكيدية فيطعن بمصداقية ايران ويرفض ان يصدق ان العالم انفتح عليها.

غرق الداخل في رغباته وتمنياته، يعميه عما يجري من حوله، وعن رؤية الصورة اللبنانية على حقيقتها. لكن تلك الصورة تُرى من الخارج بوضوح، ولقد تسنى لـ «زعيم لبناني» ان يراها في رحلة غير معلنة قادته مؤخرا الى الولايات المتحدة الاميركية واوروبا.

في باريس، خاب أمله لأن سوريا صارت في قعر الاولويات الفرنسية، وثمة تسليم بالامر الواقع الذي فرضه بشار الاسد، وايران بعد الاتفاق النووي تتربع وحدها على عرش الاولويات. ويقول: فرنسا تتحضر للسباق، وعينها حاليا، ومعها كل القارة العجوز، على ما يسمونه «بحر الاستثمارات» في ايران، لعلها تظفر بما قد يجدد شبابها فيه»!.

واما لبنان، فخارج نطاق الاولويات. قال له الفرنسيون: «علاقتنا بلبنان تاريخية، لكننا لا نستطيع ان نقول إننا ما زلنا مؤثرين فيه، او اننا نملك افكارا لإخراجه من ازمته، ومع ذلك سنوفد فرانسوا جيرو بزيارة استكشافية جديدة الى بيروت، لعله يسمع من اللبنانيين افكارا يبنى عليها».

قبل ان يغادر باريس، تلقى الزعيم اللبناني اشادة فرنسية باللبنانيين «لقد احسنوا الحفاظ على استقرار بلدهم، وفرنسا تقف معهم في مواجهة الارهاب». وقيل له ان وزير الدفاع الفرنسي سيأتي الى لبنان في العشرين من الشهر الجاري، وسيحضر معه «عيّنة» من الدفعة الاولى من السلاح الفرنسي للجيش اللبناني في اطار الهبة السعودية.

في لندن، صحّ ما توقعه «الزعيم اللبناني» من الغياب الكامل للبنان، إذ لا وجود له في الروزنامة البريطانية. الاتفاق النووي وحده على الطاولة، يقاربه البريطانيون كاتفاق تاريخي. وقد أسرّ له بعض اصدقائه في الحكومة البريطانية أن ايران في هذه المرحلة هي قبلة البريطانيين. وقيل له: «من الطبيعي ان نكون هناك، فبريطانيا، وفي ذروة الازمة العالمية مع ايران، كانت اول من انفتح عليها واعاد التبادل الديبلوماسي معها، واول من اعلن انها سترفع العقوبات في حال تم الاتفاق النووي المبدئي معها».

الهاجس في بريطانيا، وكما استنتج الزعيم المذكور، لم يعد اسقاط بشار الاسد او ما يجري في العراق، بل الارهاب التكفيري و«داعش»، وقال له مسؤول بريطاني: «اخطأنا التقدير من البداية. قللنا من حجم الخطر الارهابي، لكننا فوجئنا بأن هذا الارهاب موجود بيننا، وبتنا نخشى ان نجده في غرف نومنا». يقول الزعيم: «دخلت لأطمئن علينا فخرجت خائفا عليهم!».

في واشنطن، بعد لقاءات أجراها في وزارة الخارجية الاميركية ومع بعض اعضاء الكونغرس، خرج بانطباع ان هناك كسلا لبنانيا رسميا في طرق باب مركز القرار الاميركي وحمل الادارة الاميركية على تفعيل حضورها اللبناني، مشكلة اللبنانيين انهم يريدون كل شيء جاهزا.. ومع ذلك لبنان موجود في اميركا وانما بحدود. الاولوية للجيش واستمرار دعمه في حربه على الارهاب وتسليحه وفق البرنامج المحدد لذلك. واما ما عدا ذلك، فلبنان موجود ضمن قاعدة «اهتمام مع وقف التنفيذ»، السفير دايفيد هيل المنقول من لبنان الى باكستان، يترجم الحضور الاميركي بالحد المطلوب منه. لا تعيين لسفير بديل عن هيل في المدى المنظور، وان كان هناك اسمان مطروحان لهذا المنصب. لا مبادرات رئاسية ولا تسمية لمرشحين ولا تزكية لمرشحين حاليا، ومقولة «يجب ان يتفق اللبنانيون مع بعضهم البعض» يدرك الاميركيون انها وهمية. ترددت صراحة عبارة: دَوْرُ لبنانَ لم يأتِ بعد!

وكما لمس الزعيم اللبناني، فإن الأميركيين يقاربون الاتفاق النووي كإنجاز كبير اقتضته المصلحة الاميركية التي لا خلاف عليها بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي. قيل له: «الاتفاق صلب ولا قدرة لأحد على تعطيله او التأثير فيه. اسرائيل سلمت به، برغم صراخ المسؤولين فيها، والسعودية منهمكة في حربها على اليمن. نحن نعرف ان الخليجيين مستاؤون، لكن الرئيس باراك اوباما ينتظرهم في كامب ديفيد».

لمس الضيف اللبناني ان الاميركيين اقتربوا كثيرا من الايرانيين ويقرون بأن المفاوض الايراني صعب ومتعب في المفاوضات، لكنهم كما يبدو جديون، ويبقى الانجاز الاكبر مع الاتفاق النهائي. لكنهم يستدركون ان ذلك ليس نهاية المطاف، فواشنطن وطهران تقومان على اطنان من المشكلات والازمات الاخرى.

قال الزعيم: سألت عن لبنان في هذا الجو النووي، وحاولت ان أقدمه كسؤال بديهي، واخترت كلماتي لكي لا يبدو سؤالا ساذجا ينم عن مراهقة سياسية، او سؤالا غبيا من باب «حشر الأنف» في ما لا صلة للبنان فيه، وانتظرت ان يقال لي: «إن اشعاعات هذا الاتفاق لا بد ان تلفح لبنان»، ولكن جاءني الجواب بعد تفكير: «هذا الاتفاق اكبر من لبنان وكل الشرق الاوسط، ولا تأثير مباشرا له على لبنان، ولكن إن عرف لبنان كيف يستفيد منه فلا بأس بذلك».