IMLebanon

مَن عايَش حروب الزواريب يُدرك أهمية الخطوة! هل ينجح المتحاورون في إزالة مسبّبات الاستفزاز؟

لا مبالغة في القول إنه إذا تمكنت وزارة الداخلية من إزالة الأعلام والصور والشعارات الحزبية والدينية وغيرها، فإنها تسجل إنجازاً كبيراً ستكون له انعكاساته الايجابية على الوضع العام في البلاد. ولا بأس في أن تكون البداية من العاصمة والطريق الساحلية من الجنوب الى الشمال، فتلك أيضاً إذا أُنجزت ستكون خطوة متقدمة تسجل لوزير الداخلية نهاد المشنوق وللحكومة عموماً ولكل القوى السياسية والحزبية التي أعلنت دعمها ومؤازرتها للخطوة وخصوصاً “حزب الله” و”حركة أمل” اللذين بدورهما يسجلان رفع أكبر كمية من الشعارات و الأعلام والصور في معظم أحياء العاصمة وبالطبع في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع وعلى طول الطريق الساحلية في اتجاه الجنوب”!

وأما “تيار المستقبل” المعني كغيره طبعاً بإزالة اللافتات والصور والأعلام الحزبية، فإن كثافة حضوره في هذا المجال تأتي بدرجة أقل بكثير من “أمل” و”حزب الله” في أحياء العاصمة وزواريبها وينتفي حضوره كلياً في الضاحية والجنوب باستثناء صيدا، وفي شكل عادي جداً. وبعد الأطراف الثلاثة يأتي “حضور” متعدد أبرزها لبعض الأحزاب القديمة في أحياء محددة في العاصمة مثل الحزب الشيوعي في حي “الوتوات” والجوار، والحزب السوري القومي في عدد من أحياء رأس بيروت، وأما الحضور الأكثر خجلاً فهو للحزب التقدمي الاشتراكي في منطقة وطى المصيطبة وأطرافها، وفي كركول الدروز وفردان وساقية الجنزير، وكذلك لـ”الجماعة الاسلامية” في عائشة بكار والجوار.

ومَن عايش “حروب” الأحياء والزواريب والاحتكاكات المتكررة ولا سيما في المتداخل منها، بدءاً من مطلع الثمانينات وتحديداً بعد الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 وصولاً الى مطلع التسعينيات، يدرك أهمية تلك الخطوة، فهي جزء لا يتجزأ من “عدة الشغل” التي تؤدي الى الاحتكاك…

وثمة شعارات وأعلام ورايات موسمية تتعلق بمناسبات دينية أو سياسية وفيها تتكاثر الشعارات والصور في شكل لافت، وتلك يمكن تنظيمها وضبطها إذا كانت هناك نيات حقيقية لإزالة كل أسباب الاحتكاك والاستفزاز، كأن يتم حصرها في مكان الاحتفال المركزي، منعاً للمزايدات والتلطي وراء الله والدين، لغايات وأهداف وحسابات شخصية وسياسية!

وفي حالات كثيرة تكون الصور واللافتات وسيلة لتغطية مخالفة ما في الشارع، وقد بات مألوفاً مشهد التجمعات والمقاهي ومجالس “الأركيلة” في الزوايا وعلى قارعة الطريق، ولبعض تلك التجمعات امتدادات معروفة وتستنفر “غب الطلب”…

على أن كل الزعامات والقيادات البارزة التي يشملها رافعو الصور برعايتهم، ليست بحاجة الى صورة هنا أو شعار هناك لإثبات زعامتها وتأكيد حضورها. وفي هذا السياق يقول مرجع سياسي ساخراً: “لم نشاهد مرة على الطريق من المطار الى وسط العاصمة الفرنسية باريس مثلاً، صورة عملاقة للجنرال ديغول أو صورة كبيرة وتحتها قائدنا الى الأبد لساركوزي أو هولاند أو شيراك… إذا كانت الصورة هي التي تصنع الزعامة… بئس الزعامات”!

والأسوأ من فوضى الشعارات والأعلام والصور لـ”الزعيم الأوحد” قريباً كان أم بعيداً، هو إطلاق النار ابتهاجاً أو حزناً ولا سيما عندما تكون لهذا الزعيم أو ذاك إطلالة خطابية أو مقابلة تلفزيونية.

قبل الخطاب الأخير للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله وبعده أطلق الرصاص بكثافة في أجواء العاصمة وتسبب بأضرار في أكثر من منطقة اقتصرت والحمدلله على الماديات وترهيب الناس، وهذا ما دفع تلك “القضية” في اتجاه الحوار الجاري بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” من جهة، وكشف من جهة أخرى عن وجود جماعات “فاتحين على حسابهم” يستغلون تلك المناسبات لترهيب جيرانهم – وليس ضرورياً أن يكونوا من بيئة مختلفة- ففي كثير من الأحيان يستهدف الترهيب أبناء البيئة الواحدة… يبدو أن من “هجموا” على وزير العدل أشرف ريفي عندما دعا الى ملاحقة مطلقي النار قد استعجلوا بعض الشيء! كيف؟

عندما يصف أحد المحللين المعروفين بقربهم من “حزب الله” وبالتعبير عن مواقفه والدفاع عنها، مطلقي الرصاص خلال خطاب السيد نصرالله بالـ”بلا أخلاق”، وعندما تورد إحدى الصحف القريبة من الحزب في صدر إحدى صفحاتها البارزة تحت عنوان: “رصاص ضد المقاومة… وريفي يطلب الملاحقة” أن إطلاق الرصاص “شكّل إساءة للمناسبة وللشهداء وللعملية البطولية التي نفذتها المقاومة في شبعا” فذلك يعني أن “حزب الله” غير راض عن إطلاق الرصاص، ويعني أيضاً احتمال وجود “فاتحين على حسابهم” ينتهزون المناسبات لعرض عضلاتهم وترهيب الناس”. ولعل هؤلاء من طلب ريفي ملاحقتهم، ولا تزال ماثلة في الأذهان صورة أحد مطلقي النار ذات يوم من سطح أحد المباني وهو يطلق عبارات فئوية ومذهبية مقيتة…

هل يعني هؤلاء وأمثالهم ما يقوله “السيّد”؟ وهل يمتون بصلة الى المقاومة التي يتلطون وراءها؟