لماذا عاد الاهتمام الدولي بوضع لبنان على رغم الانشغال بخطورة ما يجري في المنطقة وهو ما لم يكن يتوقعه المراقبون؟
في معلومات لمصدر ديبلوماسي ان المظلة الدولية التي تحمي الاستقرار والامن في لبنان قد اثبتت جدواها وفعاليتها، ولولاها لكانت الحوادث الامنية التي وقعت في غير منطقة كافية لإشعال فتنة داخلية.
لكن تبين للدول الشقيقة والصديقة للبنان ان هذه المظلة قد لا تستطيع ضمان استمرار هذا الاستقرار إذا ما طال الشغور الرئاسي لأنه قد يفتح الباب لفراغ شامل في كل السلطات ويشل عمل المؤسسات، الامر الذي ينعكس سلبا على الاستقرار السياسي والامني والاقتصادي، فكان التحرك الدولي في اتجاه سد هذا الشغور بانتخاب رئيس للجمهورية يعيد انتخابه الحياة الى السلطات والمؤسسات والحركة والنشاط الطبيعيين اليها، وإلا فإن لبنان قد يتعرض لأحداث أخطر من أحداث 7 ايار التي فرضت عقد مؤتمر الدوحة الذي وزع الحصص والمكاسب على القوى السياسية الاساسية في البلاد، فكان تأكيد انتخاب العماد ميشال سليمان رئيسا للجمهورية، وكان قانون الستين جائزة ترضية للعماد ميشال عون تجعله يقول انه استعاد حقوق المسيحيين فتتعزز شعبيته على ابواب الانتخابات النيابية، وحصل “تيار المستقبل” وحلفاؤه على رئاسة الحكومة بشخص الرئيس سعد الحريري مع منع استقالة الحكومة واي وزير فيها، وضمن “حزب الله” وحلفاؤه ان يكون لهما الثلث المعطل داخل الحكومة شرط تحظير اللجوء الى استخدام السلاح او العنف او الاحتكام اليه في ما قد يطرأ من خلافات وتحت اي ظرف كان بما يضمن عدم الخروج على عقد الشراكة الوطنية، وحصر السلطة الامنية والعسكرية بيد الدولة بما يشكل ضمانا لاستمرار صيغة العيش المشترك والسلم الاهلي، وتطبيق القانون واحترام سيادة الدولة في كل المناطق اللبنانية، ولا تكون هناك مناطق يلوذ بها الفارون من وجه العدالة.
لكن “حزب الله” ومن معه لم يتقيد بمضمون اتفاق الدوحة، فاستقال الوزراء الذين يمثلون قوى 8 آذار من الحكومة خلافا لما نص عليه الاتفاق، ولم يتوقف اللجوء الى السلاح او الاحتكام اليه، ولم تصبح السلطة الامنية والعسكرية حصرا بيد الدولة، ولم يطبق القانون في كل المناطق وظل بعضها ملاذا للفارين من وجه العدالة.
وكي لا تتكرر أحداث 7 ايار التي فرضت عقد مؤتمر الدوحة الذي انتهى مفعوله، كان التحرك الدولي في لبنان لتحقيق ما حققه ذاك الاتفاق ولكن بالوسائل السلمية والحوار، وليس بالعنف كما حصل من قبل، بحيث يتم الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية وعلى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وكذلك الاتفاق على قانون عادل ومتوازن تجرى الانتخابات النيابية على اساسه، وان تعالج مشكلة السلاح خارج الدولة إما بالاتفاق على استراتيجية للدفاع تضبط استخدام هذا السلاح، وإما انتظار حل للأزمة السورية تنتفي معه اسباب حمله واستخدامه، ويصبح بالتالي تنفيذ القرار 1701 متيسرا، وبتنفيذه كاملا ينعم لبنان بالاستقرار الدائم والثابت، كما يصبح في الإمكان في ظل هذا الاستقرار تطوير بعض بنود اتفاق الطائف وجعله أكثر عدالة وانصافا واكثر ملاءمة لما استجد من تطورات في لبنان والمنطقة. كما يصبح في الامكان في ضوء هذه التطورات توصل الزعماء اللبنانيين الى تفاهم على اعتماد “اعلان بعبدا” كما صارت الموافقة عليه في طاولة الحوار، او ادخال تعديلات عليه لأن لبنان بتركيبته السياسية والمذهبية الدقيقة لم يعد في امكانه اعتماد سياسة الانحياز الى اي محور والدول في صراعاتها لانه دفع غاليا ثمن ذلك من سيادته واستقلاله وحرية قراره ومن استقراره السياسي والامني والاقتصادي، اذ ان فريقا لبنانيا عندما ينحاز الى محور سيقابله فريق آخر بالانحياز الى محور آخر، وعندها تقع الفتنة او الحروب الداخلية، ويتحول لبنان ساحة مفتوحة لكل صراع خارجي.
والسؤال المطروح هو: هل ينجح التحرك الدولي في تحقيق ما حققه مؤتمر الدوحة وبالطرق السلمية وبالحوار الذي يبدأ بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” فيكون للبنان مع مطلع السنة الجديدة رئيس جديد ثم حكومة جديدة تشرف على اجراء انتخابات حرة ونزيهة ينبثق منها مجلس نيابي يمثل ارادة الشعب على اختلاف فئاته وانتماءاته تمثيلا صحيحا، ويخرج لبنان بفضل تفاهم اللبنانيين وحرصهم على العيش المشترك والسلم الاهلي من الازمات التي طالما تخبط بها بالتوصل الى معالجة اسبابها فلا يظل يواجه العجز عن معالجة نتائجها، ويلجأ الى خارج لمساعدته على ذلك؟