Site icon IMLebanon

هل يَعي المقاطعون المسيحيون أنّ استمرار الفراغ يفتح الباب للبحث في “ميثاق وطني” جديد؟

إذا كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يحمّل “حزب الله” مسؤولية تعطيل الانتخابات الرئاسية لأنه يعمل لأجندة ايرانية ولا يحمّل هذه المسؤولية للمسيحيين ايضاً الذين يشاركون في هذا التعطيل ولا سيما منهم نواب “تكتل التغيير والاصلاح”، إذ لولا هذه المشاركة لكان اكتمل النصاب وانتخب رئيس للجمهورية قبل سنة. فالمسيحيون اذا كانوا مسؤولين عن عدم اتفاقهم على انتخاب رئيس لأن هذا الانتخاب يعني المسلمين ايضاً، فانهم مسؤولون عن تعطيل الجلسات لتغيبهم عنها من دون عذر مشروع، لأن المشكلة لم تعد في انتخاب رئيس تعذّر الاتفاق عليه، إنما في تعطيل نصاب الجلسات للحؤول من دون تمكين الاكثرية النيابية المطلوبة من انتخاب من تشاء دون شروط مسبقة تفرض عليها تحت طائلة تعطيل النصاب الذي قد يصبح قاعدة في كل انتخاب، ليفرض، كل من يعطل الانتخاب، الرئيس الذي يريد وخلافاً لرأي الاكثرية، وهذا يشكل مخالفة صريحة لأحكام الدستور.

إن اخطر ما في استمرار الشغور الرئاسي هو مشاركة زعماء موارنة فيه، ولولا هذه المشاركة لاكتمل النصاب. لذلك فهم مسؤولون عن استمرار هذا الشغور في أعلى منصب في الدولة يخصهم وليس المسلمون، وتحديداً “حزب الله” ما دام يعمل لمصلحة ايران.

هل يعي النواب المسيحيون المقاطعون جلسات انتخاب الرئيس خطورة ذلك؟ أفلا يسقطون من حيث يدرون أو لا يدرون ركيزة مهمة واساسية من ركائز “الميثاق الوطني”، الذي يقول عنه الرئيس تمام سلام انه “يقوم على سيبة رئاسية ثلاثية، وعندما يشغر أحد المراكز في الرئاسات الثلاث تختل السيبة وتقع البلاد في المحظور”؟ فما هو هذا المحظور الذي اشار اليه الرئيس سلام ولم يفصح عنه؟ إنه في نظر كثير من المراقبين الدخول في بحث عن “ميثاق وطني” جديد قد لا يتم التوصل الى اتفاق عليه بسهولة، كأن يصبح مطروحاً جعل الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ورئاسة الحكومة) مفتوحة على كل المذاهب لاختيار الاصلح والكفي منها حتى قبل إلغاء الطائفية، او ان تصبح الرئاسات الثلاث مداورة بين الطوائف الثلاث الكبرى ولا تبقى موزعة كما نص “الميثاق الوطني” الحالي على هذه الطوائف فقط، أو ان يعتمد لحكم لبنان مجلس رئاسي كما في سويسرا، وعندها قد لا يكون ذلك مقبولاً ربما مسيحياً إلا اذا صار اتفاق على ان يكون لبنان “سويسرا الشرق” فعلاً لا قولاً لأن في حياده تطميناً للبنانيين، ولا سيما للمسيحيين، وضماناً لبقاء لبنان سيداً حراً مستقلاً لا خوف على وجوده ولا على كيانه ولا على استقراره سياسياً وامنياً واقتصادياً لضمان استمرار ازدهاره. وقد يقبل المسيحيون دفع ثمن هذا الحياد بتخليهم عن مناصب لهم في الدولة وحتى عن امتيازات خصصت لهم في “ميثاق 43” فكانت لهم بمثابة ضمانات بعد نيل الاستقلال ليبقى محصناً بها. حتى ان زعماء مسيحيين لم يكونوا يريدون انضمام لبنان الى جامعة الدول العربية خشية ان يشكل انضمامه مخالفة لمبدأ “لا شرق ولا غرب” الذي نص عليه الميثاق، فكان الحل لقبول الانضمام الى الجامعة اشتراط ان تكون قراراتها غير ملزمة الا اذا اتخذت بالاجماع وليس بالاكثرية، وهو ما لا يزال معمولاً به حتى الآن على رغم المطالبة من حين الى آخر بإعادة النظر في ذلك.

لقد أخذ المسيحيون يفقدون شيئاً فشيئاً بعض الامتيازات – الضمانات عندما لم يعد انتخاب رئيس الجمهورية قراراً حراً للبنانيين بل لخارج عربي أو غير عربي، وعندما اصبحت معادلة 5 الى 6 بين المسيحيين والمسلمين 6 الى 6 وقد تكرست باعتماد المناصفة في مؤتمر الطائف، اضافة الى تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية لأن الشريك المسلم اعتبرها واسعة الى درجة جعلت منه “ملكاً على جمهورية”.

أما وقد اصبح المسيحيون في لبنان على هذه الحال وسط هذا المنحدر فما عليهم سوى توحيد موقفهم ليس من انتخاب رئيس للجمهورية فقط، انما من حضورهم جلسات الانتخاب وعدم المشاركة في تعطيلها، لأن الاستمرار في تعطيل النصاب وبمشاركة مسيحية هو خدمة لخارج وإفساح المجال له كي يتدخل لفرض رئيس للبنان يكون حارساً لمصالح هذا الخارج وليس حارساً لمصالح لبنان. وعلى المسيحيين ان يوحدوا مواقفهم ايضاً اذا ما استمر الشغور الرئاسي بقصد البحث في “ميثاق وطني” جديد قد لا يكون للمسيحيين فيه ما لهم في “الميثاق الوطني” الحالي، وأن يتفقوا على تحييد لبنان عن كل صراعات المحاور ضماناً لسيادته واستقلاله وحرية قراره، إذ من دون ذلك يبقى لبنان بوجوده وكيانه واستقلاله معرضاً للخطر. فالحياد وحده هو الذي يضمن استمرار استقراره سياسياً وامنياً واقتصادياً، وهو ما باتت دول كبرى مقتنعة به. أما الانحياز فيبقيه عرضة لشتى المخاطر.