Site icon IMLebanon

هل تحسم إيران معركتها في سوريا ولبنان؟

في سوريا، بات الرئيس بشّار الأسد مطمئنّاً إلى مستقبله. وما قد يخسره هناك يطمح إلى تعويضه في مكانٍ آخر، خصوصاً في لبنان. فبالنسبة إلى محور طهران- دمشق، هناك خطأ إرتُكِب في لبنان عام 2005، في لحظة دولية – إقليمية معينة، قضى بخروج الجيش السوري، وهذا الخطأ قيد التصحيح، إلى حدٍّ ما…

يوحي عدد من أقطاب «8 آذار»، بأنهم على وشك أن يحسموا المعركة في لبنان لمصلحتهم. ففي سوريا، بات مصير الأسد مضموناً. وأما في لبنان، فحلفاؤه يتكفَّلون إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل نيسان 2005، ولو لم تكن واردة عودة قوات الأسد.

ويقولون: «في 11 عاماً، أعدنا الإمساك بكلّ مواقع النفوذ. فالبلد موزَّع بين مواقع نملكها وأخرى نتحكّم بها، في المجلس النيابي والحكومة والمؤسسات والأجهزة، وأخرى شاغرة وتنتظر إشارة منا لكي نملأها، كرئاسة الجمهورية التي طَوَّبها باسمنا فريق «14 آذار». ولم تعد هناك مواقع استفزازية لنا كما كان الحال قبل 10 أعوام».

ويَتوقع هؤلاء أن يكون عامل الوقت مناسباً لهم، بحيث يتمكنون من قيادة لبنان وسوريا معاً، في سلّة سياسية واحدة، وفي الفلك الإيراني. وهذا الهدف، وفق تقديرهم، بات وشيكاً. ففيما ترفع السعودية غطاءها عن لبنان، تتقدّم إيران. وفيما ينكفئ الأميركيون عن سوريا، تتقدَّم موسكو.

ويعتقد هؤلاء أنّ التسوية في لبنان باتت مستحيلة ما لم تترافق مع مسار التسوية الذي بدأ في سوريا، حيث اطمأنّ الأسد إلى بقائه في السلطة، بتوافق إقليمي- دولي عبَّر عنه اتفاق وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف غداة التسوية حول ملف الأسد الكيماوي قبل عامين.

فهذا الاتفاق أحدث انقلاباً استراتيجياً تتجاوز تأثيراته سوريا إلى لبنان والعراق ومجمل الشرق الأوسط. وقبل أيام، جدَّد كيري ولافروف اتفاقهما، على رغم الكلام الأميركي المعلن والقائل إن لا مكان للأسد في التسوية.

ولذلك، لا يتصرّف الأسد على أساس: هل يستمرّ في السلطة؟ بل على أساس: ما هي حدود المنطقة التي سيمارس سلطته عليها؟ وهو لا يخشى أن تذهب به أيّ تسوية محتملة، بل يتوقع أن تكرِّس التسوية استمراره حتى انتهاء ولايته والبقاء في ولاية أخرى. وحلفاؤه الروس والإيرانيون يضمنون له ذلك.

وليس الكلام الذي يجرى توزيعه عن تباينٍ بين بوتين والأسد حول المرحلة الانتقالية سوى جزء من المناورة. ومن ذلك سيناريو «المكالمة العاصفة» التي قيل إنها جرت بين الرجلين، وارتفع فيها صوت الأسد معترضاً على الانسحاب الروسي، وشاكياً من ضغوط يمارسها بوتين عليه ليقدِّم تنازلات ويسهِّل التسوية.

هذه «المكالمة» هي جزء من مناورة ناجحة لجأ إليها «قيصر روسيا»، وعمد خلالها إلى إعادة نشر قواته في سوريا كما كانت في الوضعية السابقة لتدخُّل سلاح الجو في المعارك، بحيث يكتفي بحدود أدنى لاستخدام سلاح الجو، وبالقواعد العسكرية والقطع البحرية مقابل طرطوس واللاذقية.

فالتقارير تحدثت عن استمرار تدفق القطع البحرية صوب الساحل السوري. وأما المقاتلات التي تمَّ سحبُها، بعدما انتهى دورها بانتهاء المعارك الكبرى وارتسام الخطوط، فقد جرت الاستعاضة عنها سريعاً بمروحياتٍ متطورة تكفي للمشاركة في عمليات محددة كمعركة تَدمُر.

في المناورة، أوحى بوتين بأنه خلع البزّة العسكرية ولبس البزّة المدنية وعقَدَ ربطة العنق، ليجلس إلى الطاولة في جنيف. فظهوره بمظهر المنحاز يضعفه، أما المظهر المحايد فيمنحه القدرة على المشاركة في صناعة التسويات وقطف الثمار، له وللحلفاء.

وسيناريو الانسحاب الروسي واكبه كلام على سيناريو انسحابات لإيران و»حزب الله» من سوريا. وتبيَّن أيضاً أنّ ذلك مجرد إعادة ترتيب للوضعية القتالية التي يعتمدها الأسد وحلفاؤه، وفق خرائط وهيكليات جديدة تتلاءم والمرحلة المقبلة.

ويتحدث المتابعون عن مستوى عالٍ من التنسيق والانسجام على جبهة موسكو- طهران في أدقّ التفاصيل في سوريا، بما في ذلك مصير الأسد. وما يُقال عن تباين حول دور الأسد في المرحلة الانتقالية أو بعدها هو توزيع للأدوار.

فالروس والإيرانيون يتفقون على أنّ الأسد هو الذي سيصنع التسوية، وأنه باقٍ إلى ما بعدها، أي إنّ الطرفين يرفضان أيّ صيغة تقضي برحيله عاجلاً أو آجلاً. وتمرِّر موسكو هذا الهدف من خلال تفاهمات سريعة مع واشنطن والقوى الإقليمية المعنية، بما فيها السعودية وإسرائيل، تحت عنوان ضرب الإرهاب.

ويستفيد بوتين من إستقالة الرئيس الأميركي باراك أوباما باكراً من الشرق الأوسط، ولا سيما من سوريا والعراق. ويسارع الروس إلى التنسيق مع القوى الإقليمية للإمساك بالأوراق قبل مجيء الرئيس الجديد إلى البيت الأبيض. فسواءٌ كان ديموقراطياً أو جمهورياً، ستستعيد إدارته الزخم تجاه الشرق الأوسط.

ومن عوامل القوة التي لجأ الإيرانيون إلى استخدامها تحويل البلدين بقعة نزاع واحدة متداخلة، بحيث تأتي التسوية فيهما ضمن سلة واحدة، وفي العراق أيضاً. فهم لن يُفرجوا عن التسوية في لبنان ما لم تكن متزامنة مع التسوية في سوريا، بل جزءاً منها.

ولأنّ الأزمة في سوريا لن تنتهي إلّا بتحوُّلات استراتيجية، فإنّ ذلك سيتحقق في لبنان أيضاً، من خلال المؤتمر التأسيسي. والهدف الأساسي لمحور طهران حالياً هو فرض وقائع عسكرية جديدة يتمّ استثمارها في المفاوضات.

وفيما ارتاح الأسد في منطقة نفوذه الممتدة من الساحل حتى العاصمة دمشق، أي في ما سمّي «سوريا المفيدة»، هو يتوعَّد بالتوسُّع شرقاً إلى ما بعد تَدمُر. وأما في لبنان، فحلفاؤه هم الوحيدون القادرون على حمل السلاح وعلى اتخاذ قرار الحرب والسلم، على الجبهات كافة، الجنوبية مع إسرائيل والشرقية والشمالية مع سوريا، والجبهات الداخلية المفتوحة.

ويعتقد المتابعون أنّ هناك عاملين يُثبتان وقوع لبنان تحت «السيطرة» الإيرانية:

1- بدأت السعودية وسائر دول مجلس التعاون العربي بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على لبنان، كدولة، بسبب وقوعه أسير سياسة «حزب الله».

2- باشرت الولايات المتحدة أيضاً إقرار تشريعات تعاقب قطاعات لبنانية يخرقها «حزب الله».

فهذه العقوبات هي الأولى من نوعها، إذ لم تكن القوى الدولية أو العربية، حتى اليوم، تضع لبنان الرسمي وسائر الفئات اللبنانية في سلة واحدة مع «حزب الله». وهذا التطوُّر خَطِر وله مغزاه في تحديد المسار الذي سيسلكه لبنان في المرحلة المقبلة.

ولكن، هل سيُتاح لمحور إيران أن تخلو له الساحة لفرض سيطرته على لبنان وسوريا والعراق أم ستدخل عناصر جديدة تخلط الأوراق مجدّداً؟

في المبدأ، العامل الوحيد الجدير بإحداث هذا الخلط هو الانتخابات الأميركية. فلا يمكن للإدارة الأميركية المقبلة أن تُبقي على نهج أوباما الشرق أوسطي، حتى لو فاز الديموقراطيون بالرئاسة. لكنّ انقلاباً قد يقع إذا وصل الجمهوريون إلى الحكم.

في الانتظار، هناك أشهر ليتبلور الخيار في الولايات المتحدة، تليها أشهر أخرى ليتمكن الرئيس العتيد من الإمساك باللعبة والانطلاق في سياسته. وحتى ذلك الحين، كيف ستكون الصورة في لبنان وسوريا وسائر الشرق الأوسط؟