في إسرائيل، لم يعد الأمر يحتاج إلى خبراء استراتيجيين ولا إلى محللين في الاستخبارات العسكرية لتقدير احتمالات اندلاع المواجهة المقبلة على الجبهة الشمالية في الظرف الراهن. «القالب» الذي بات معروفاً عند القاصي والداني هناك هو الآتي: حزب الله غارق في سوريا، إذاً من المرجَّح أن يستمر الهدوء على الحدود. بيد أن ثمة مشكلة صغيرة في هذا الأمر، بحسب معلقين وباحثين إسرائيليين، هي أن أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية «قدرت هكذا تماماً عشية حرب لبنان الثانية» (2006).
في حينه، كما يكتب محلل الشؤون العسكرية في صحيفة «هآرتس»، عاموس هارئيل، كانت تقديرات الاستخباريات المتعلقة بالجبهة اللبنانية متفائلة جداً. عام 2005، «اغتيل رئيس الوزراء السابق، رفيق الحريري، والاغتيال أدى إلى موجة عارمة من التظاهرات انتهت بانسحاب الجيش السوري من لبنان تحت ضغط دولي كبير. أفراد قسم الأبحاث في الاستخبارات العسكرية قدّروا أن الخضّة (التي تمرّ على لبنان) قوية إلى درجة أنها تبشر بتفكيك الساحة الشمالية إلى ساحتين منفصلتين: واحدة سورية وأخرى لبنانية».
بل إن رئيس الأركان في حينه، دان حالوتس، ذهب أبعد من خبراء الاستخبارات، وفي خلاصة التقدير السنوي الذي رفعه إلى القيادة السياسية نهاية عام ،2005 رأى أن «الردع الإسرائيلي في مقابل حزب الله فعال». حالوتس، يشير هارئيل، «لم ينصت إلى تحذير الخبراء له بشأن تفاؤله الجارف، والنهاية معروفة: بعد سبعة أشهر بالضبط من خلاصة التقدير الاستخباري التي عرضها رئيس الأركان، خطف حزب الله الجنديين (…) واندلعت حرب لبنان الثانية، ثم استقال حالوتس وانتهت حياته المهنية».
السؤال الذي يطرحه هارئيل وآخرون في المناسبة هو: «هل تكرر إسرائيل نفس الخطأ في التقدير، وهي تحلل اليوم الوضع على الساحة الشمالية؟ ذلك أن الرأي السائد لدى كل أجهزة الاستخبارات يرى أن هناك احتمالاً كبيراً بأن يسود الهدوء على الحدود الشمالية، لأن حزب الله غارق في معركة صمود النظام السوري». لكن هارئيل يرى «احتمال أن يخرج حزب الله عن سياسة ضبط النفس نتيجة واحد من سيناريوهين محتملين: أزمة سياسية داخلية في لبنان، أو سلسلة حسابات خاطئة متبادلة بينه وبين إسرائيل، وهو السيناريو الأكثر ترجيحاً». ويشير الكاتب إلى أن هذا «فعلاً ما كاد أن يحصل في كانون الثاني 2015، في أعقاب إقدام إسرائيل على اغتيال جهاد مغنية وجنرال إيراني في هضبة الجولان. فحزب الله ردّ بكمين من الصواريخ المضادة للدروع قتل فيه ضابط وجندي في مزارع شبعا، وهو كمين كان يمكن أن يؤدي إلى مقتل ما بين 10 و12 جندياً، وفي هذه الحالة الضغط على حكومة نتنياهو للردّ بشدة كان سيكون لا يحتمل».
ويستحضر هارئيل الخلاصات البحثية التي توصل إليها نداف بولاك، باحث زميل في معهد واشنطن لشؤون الشرق الأوسط، الذي نشر الشهر الماضي دراسة موسعة حول تدخل حزب الله في سوريا، مستنداً إلى سلسلة أحاديث طويلة مع خبراء وضباط استخبارات في إسرائيل والولايات المتحدة ولبنان. فمن زاوية نظر إسرائيلية، النتائج التي خلص إليها بولاك «أقل تفاؤلاً من الموجود لدى المسؤولين الإسرائيليين الذين يغرقون في إحصاء الأثمان التي دفعها حزب الله في سوريا». يشدد بولاك على أن حزب الله راكم الكثير من الأرباح إلى جانب الأثمان التي دفعها، مشيراً إلى أن الحزب «تطور من كادر صغير من النشطاء إلى منظمة عصابات كبيرة، ومنها إلى منظمة عسكرية نصف نظامية، وهو أضحى لاعباً مهماً على المستوى الإقليمي وشريكاً حيوياً في التحالف الإيراني السوري».
ويخلص بولاك إلى أن التقديرات التي تشكك بقدرة الصمود لدى حزب الله في الوقت الراهن تذكر بشبيهاتها التي سادت في إسرائيل عشية حرب 2006، إلى أن أتت الحرب وأثبتت أن الحزب قادر على الصمود. وبحسب بولاك، «صحيح أن حزب الله لا يريد حالياً حرباً مع إسرائيل، لكن ذلك لا يعني أنه غير قادر على القتال على جبهتين في وقت واحد».