Site icon IMLebanon

هل من جسر يجمع المتخاصمين على الضفتين؟

هل من جسر يجمع المتخاصمين على الضفتين؟

عندما يتهيّب المسيحيون الفتنة الإسلامية

قبل سنوات، كان المسلمون جميعا كتلة واحدة في نظر جمهور كبير من المسيحيين. متساوون في إحباطهم وانتزاع صلاحياتهم واستملاك اراضيهم وتهميشهم في مؤسسات الدولة ووظائفها. كانوا، سنة وشيعة، شركاء في نفي أو سجن زعاماتهم. كان المسيحيون مقتنعين أن المسلمين يختلفون فقط على تقاسم الإرث المسيحي وتوزيعه في ما بينهم. انصرف الشيعة إلى وراثة شق الدفاع عن الارض اللبنانية بحدودها الـ 10452 كلم مربع، والتي تضم ضمنًا مزارع شبعا والقرى السبع بحسب كلام للسيد حسن نصرالله، فيما انصرف السنة إلى الإمساك بالمفاصل الاقتصادية ونسج العلاقات والصداقات الدولية.

مضى أكثر من عقد، والمسيحيون ينظرون إلى المسلمين وكأنهم سرقوا منهم الدور والوظيفة، كي لا يقولوا جزءا من الهوية. فإلى تاريخ قريب كان المسيحيون، تحديدا الموارنة، يعتبرون أن وجودهم من وجود لبنان وأن هذا البلد فُصّل على حجم طموحاتهم ومصالحهم وقلقهم. كان على المجمع البطريركي أن يقولها بوضوح عام 2006 ليزيل ذاك الالتباس. «إن الموارنة في خدمة لبنان.. وليس لبنان في خدمة الموارنة». عبارة ما كان يمكن سوى للبطريرك نصرالله صفير أن يرفعها ليتقبلها «سائر المؤمنين».

ومع ذلك، بقي المسيحيون يخشون المسلمين وإمساكهم بالبلد، ويعتبرونهم كتلة متشابهة ومتراصة، وإن ببعض الاختلافات التي تبقى تفاصيل لا تستأهل الوقوف عندها. ففي نهاية المطاف كانت «المظلة السورية» كفيلة بتقريب المختلفين ليتفقوا، في نظر المسيحيين، ضد خياراتهم.

بعد العام 2005 تغيرت النظرة. صار المسلمون في عيون المسيحيين سنّة وشيعة. صار لانقسامهم دلالات ومعان تبدأ من السياسة وترجماتها ولا تنتهي في «أسلوب الحياة». انقسم المسيحيون بدورهم في التعاطي مع الطوائف الإسلامية.. أصبح التمييز واجبًا.

لكن المفاجئ في كل هذا التغيير، ليس فقط انحياز كل فريق مسيحي إلى حليفه المسلم، وهذا مفهوم، بل تخوف غالبية الرأي العام المسيحي من أي فتنة سنية – شيعية. فمن المرات النادرة يُجْمِع «الوعيُ العام» لدى المسيحيين على موضوع ما، وهو لا يعنيهم بالمباشر، فيتخوفون من تداعيات مثل هذه الفتنة.

يبرر أحد الأساقفة الموارنة الأمر بـ «متابعة المسيحيين لأحوال إخوانهم في دول مجاورة من العراق إلى سوريا وما آلت إليه أمورهم حين تَفَلَّتَ جنونُ الاقتتال الطائفي. دفع المسيحيون الثمن قتلًا وتهجيرًٍا وهجرة». يضيف: «في المبدأ إن أي اقتتال بين أبناء الوطن الواحد، على أية خلفية كانت، لا يجلب إلا الدمار والهلاك لكل البلد، بكل مكوناته. لا منتصر في مثل حرب أو فتنة كهذه. الجميع يخسرون. وهذا كلام يستند إلى وقائع تاريخية من لبنان إلى أقاصي الأرض، وليس كلامًا سياسيًّا منمقًا».

يتابع الأسقف الماروني: «من هذا المنطلق، فإن الرأي العام المسيحي، المنقسم في ميوله السياسية بين متحالف مع هذا الفريق المسلم أو ذاك، يتهيب ويتخوف من أي فتنة تطيح ما تبقى من بلد ودولة». وفي حين يتمنى أن يكون لدى المسلمين التهيب نفسه، يعتبر أن «صمود الحوار ومواصلته بين تيار المستقبل وحزب الله يبشران بوعي المسؤولين في التيارَين أهمية الحفاظ على حسن العلاقة في سبيل استمرار استقرار البلد». ويقول: «إذا أخذنا في الاعتبار واقع الأحوال في الدول المجاورة، فإن أحوالنا تبدو بخير».

تخوف المسيحيين من فتنة سنية ـ شيعية له ما يستند إليه في ما هو أبعد، ربما، من قراءة الأسقف. فهم يدركون أن مثل هذه الفتنة تطيح ما تبقى من لبنان الذي عرفوه، ولا تبقي منه سوى ذكرى؛ وهي ستعيد تشريع وتسريع أبواب الهجرة وتعمّق الانقسامات والخلافات التي قد تحتاج مجددًا إلى عشرات السنوات، إن لم يكن أكثر، لردمها. أما انعكاسها على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات بين اللبنانيين، فذلك يحتاج إلى مطولات أو مرثيات.

لكن هل يمكن أن يكون للمسيحيين دور في منع الفتنة السنية ـ الشيعية؟ هل يستطيعون أن يشكلوا جسرا يجمع المنقسمين على الضفتَين؟

هذا سؤال يشغل أوساطًا سياسية وثقافية وبعضًا من ناشطي المجتمع المدني في البيئية المسيحية.. لكن إلى الآن لم يتبلور جوابه.