الانتخابات ليست معركة على قوانين الانتخاب فقط. المعركة الانتخابية الحقيقية هي التي تبدأ بعد اقرار قانون الانتخاب. ليس صحياً العكس. ليس صحياً ان تكون السياسة قد أجهدت نفسها في البحث عن قانون انتخاب، لتباشر بالتثاؤب بعد اقراره، وتطالب بقسط من الراحة قبل فتح صناديق الاقتراع. مع هذا، هذا ما يحدث كلما انقدنا وراء الموقف الذي يعتبر ان «قانون الانتخاب يقرّر كل شيء». لا، قانون الانتخاب لوحده لا يمكنه ان يقرر كل شيء. كذلك التحالفات الانتخابية، لوحدها لا يمكن ان تقرر كل شيء. الرأي العام، الأمزجة الشعبية، نسبة المشاركة، هذه مسائل يخطئ من يتعالى فوقها لمصلحة اختزال الاستحقاق في قانون انتخاب يرتجى، ثم في تحالفات تنسّق لرفع منسوب «المعروف مسبقاً»، والتقليل من منسوب المفاجآت.
لا يمكن تفادي المفاجآت، بعد سبع سنوات على آخر انتخاب، ومع اقرار النقلة باتجاه نظام التصويت النسبي لأول مرة في التاريخ اللبناني، ومع صعوبة الادغام بين نظام التصويت النسبي و«النسبية في توزيع المقاعد» بحسب الطوائف والمذاهب، وفي مقاعد محدد عددها بحسب كل قضاء، ومع الاختلاف بين سهولة حل هذه الصعوبة في علم الحساب وصعوبة حلها على مستوى الخارطة السياسية، والحسابات السياسية.
لكن الأهم: يخسر أكثر من يخاف من المفاجآت أكثر، ويربح من يخطط بوعي ومنهجية لصنع المفاجأة. ما الذي يمكن ان يعنيه ذلك عملياً؟ يعني في المقام الأول الاجابة على سؤال: هل يمكن التحضير للوائح تلتزم بنفس الشعارات السياسية، وبالبرنامج السياسي والاجتماعي والانمائي نفسه في خطوطه العريضة، مع تمايزها في البرنامج الفرعي الذي يعني الدائرة الانتخابية المعنية؟ هل يمكن خوض الانتخابات، من طرف تكتل سياسي تعددي جامع، تتشارك تلاوينه في «الاستراتيجية الانتخابية العامة»، وذلك رغم كون القانون الانتخابي العتيد سيعتمد قسمة الخمسة عشر دائرة؟ أم ان قسمة الخمسرة عشر دائرة ينبغي ان تدفع باتجاه غض الطرف عن البحث عن «استراتيجية انتخابية عامة» في مواجهة استراتيجية انتخابية عامة أخرى؟
عام الفين وتسعة، كان قانون «الستين – الدوحة»، على اساس الاقضية، وبنظام تصويت اكثري، ومع ذلك خيض الاستحقاق في معظم الدوائر كمنازلة بين خطين، ٨ و١٤ اذار. فاز خط على آخر، لكن الخط الفائز اصيب بتصدع مبكر، عجل به هذا الفوز بدلاً من معالجته. بقي مع ذلك شكل معين من الاكثرية البرلمانية من ٢٠٠٩ حتى العام ٢٠١١. أمكن نسف هذه الأكثرية بنتيجة الضغط الامني على قسم أمنها من جهة، وتناقضاتها وسمة القوى التي تتشكل منها من جهة أخرى، لكن انقسام اللعبة البرلمانية بين اكثرية ونيابية هوي الذي ظهرت هشاشته في التجربة اللبنانية بالنتيجة. الانقسام منذ ٢٠١٣ على خلفية قانون الانتخاب، ثم الرئاسة، عزز هذا المسار. هل يعني ذلك ان الانتخابات، بعد ان صار هناك اتفاق على النظام النسبي بخمسة عشر دائرة كاطار للقانون العتيد، صارت في حل من البحث عن اي مسعى لتشكيل اكثرية نيابية جديدة بموجب الاستحقاق؟ او ان تشكيلها يبحث فقط بعد صدور نتائج الاستحقاق؟ او انه ينبغي العمل، بجهد وقصدية وببرنامج قادر على اختراق الدوائر الخمسة عشر، من أجل لائحة موحدة في خمسة عشر دائرة؟
مثل هذه اللائحة المتعددة، لكن المتصلة ببرنامج انتخابي واحد، هي التي يمكنها ان تصنع المفاجأة الانتخابية الأساسية للموسم، اذا اقترب. ما الذي يمكن ان يتضمنه هذا البرنامج؟ بحث يطول. ماذا عن الأسماء الـ ١٢٨ لمثل هذا التصور؟ هذه ورشة ضخمة. المهم هنا هو ان مجرّد الاتفاق على الانطلاق، من تصور حاسم، بأنه يلزم خوض الاستحقاق، باستراتيجية شاملة، وبأن اعتماد النسبية، ولو «المقسطة» والمجزأة، يقتضي هذه النظرة الشاملة، هو توجه كفيل بتعبئة الفراغات في البرنامج، والفراغات في الأسماء الأهل لخوض النزال، بكفاءة سياسية، وواقعية، وادراك بأن الاستحقاق ليس فقط لانتخاب مجلس تراعى فيه صحة التمثيل، بل ايضاً لمجلس ترتبط تمثيليته بفعاليته التشريعية والرقابية، وهذه فاعلية تزداد الحاحاً عندما تعتمد النسبية كنظام تصويت.