طارق ترشيشي
المتشائمون في شأن ملف الاستحقاق النيابي يقولون ان موضوع قانون الإنتخاب دخل في مأزق ما زال في بدايته ولكن نهايته غير واضحة. فيما المتفائلون يعتقدون أن هذا القانون سيتبلور عاجلاً ام آجلاً، وأهميته تكمن في انه يأخذ الاستحقاق الى “تأجيل مريح”.
لم يرشح أي شيء يشير الى امكان ان تكون زيارة الموفد الملكي السعودي وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان لها علاقة بالتطورات اللبنانية الجارية داخليا، خصوصاً على مستوى الاستحقاق اللبناني، وما بدا الى الآن دلّ الى انها تتصل بترجمة نتائج القمة التي انعقدت في الرياض الشهر الماضي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.
لكن البعض يرى ان هذه الزيارة الاولى لمسؤول سعودي للبنان بعد زيارة عون للمملكة العربية السعودية هي ناتج لاحق لزيارة عون للرياض، وهي لتأكيد قضايا اتفق عليها اجرائيا بين الملك سلمان وعون، وقد تكون لها علاقة بواقع بعض الافرقاء الداخليين في ظل الاشتباك السياسي القائم حول قانون الانتخابات النيابية، وكذلك في ظل التطورات الاقليمية المتلاحقة وما تتركه من انعكاسات على لبنان، في اعتبار ان السبهان بات معنيا بخصوصية العلاقة اللبنانية ـ السعودية، خصوصا ان الرجل سبق له ان خدم ديبلوماسيا في بيروت لفترة ليست قصيرة قبل ان يعين وزيرا لشؤون الخليج العربي، بل للشؤون العربية عموماً، وهو عالم بالشؤون اللبنانية وتفاصيلها ويمتلك خبرة عالية فيها.
وقبيل انجاز الاستحقاق الرئاسي كانت للسبهان زيارة لبنان قابل فيها المسؤولين والقادة السياسيين الكبار وكان عون في مقدمهم، وبعد اقل من اسبوعين على مغادرته بيروت تبنى الرئيس سعد الحريري ترشيح عون وإنتخب الأخير رئيسا للجمهورية، وانتهى عصر الشغور الرئاسي الذي دام اكثر من عامين، ثم تألفت حكومة جديدة برئاسة الحريري.
والآن يزور السبهان لبنان ويقابل المسؤولين الكبار وقيادات سياسية بارزة فيه، ومنهم النائب وليد جنبلاط المعارض للنسبية، في الوقت الذي يدور نقاش وسجال كبير حول الاستحقاق النيابي من بوابة قانون الانتخاب العتيد الذي ينبغي اقراره لكي تُجرى الانتخابات النيابية على اساسه في 21 ايار المقبل، قبيل شهر من موعد انتهاء ولاية مجلس النواب الحالي المحددة ولايته على مرحلتين منذ العام 2013.
ومع انه لم تصدر عن السبهان ولا من اللقاءات التي عقدها اي اشارة توحي بأن لزيارته صلة بالانتخابات النيابية وقانونها فإن البعض طرح تساؤلاً عما اذا كانت هذه الزيارة تهدف في جانب منها الى تسهيل التوافق اللبناني ـ اللبناني حول القانون الانتخابي، خصوصا وان المواقف التناقضة حول ما هية هذا القانون تهدد تسعير الازمة السياسية التي تعيشها البلاد والتي يراد للإنتخابات النيابية المقبلة أن تكون المِعبَر الى معالجتها على يد طبقة سياسية جديدة تفرزها صناديق الاقتراع.
ويقول سياسيون آخرون انه اذا ثبتت ان لزيارة السبهان علاقة ما بالاستحقاق النيابي لجهة التوافق على انجازه، فإن ذلك يكون مؤشراً الى ان إتفاقاً اقليمياً ما، وتحديداً بين السعودية وإيران قد حصل على مساعدة الأفرقاء اللبنانيين على التوافق لإنجاز الإنتخابات النيابية قانوناً واقتراعاً، وذلك إسوة بإتفاقات سابقة مماثلة قد حصلت وفرّجت أزمات لبنانية سابقة، خصوصاً وان موقفاً صدر قبل أيام عن وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديركا موغريني، وقبلها موقف لوزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف يؤكد أن إنتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية في 31 تشرين الأول الماضي كان نتاج تسوية سعودية ـ إيرانية، خصوصاً، وتسوية إقليمية كبرى عموماً.
لكن حتى الآن لم يظهر في الأُفق الإقليمي إلى العلن وجود إتفاق ما حول الإستحقاق النيابي اللبناني، إسوة بالإتفاق الذي حصل حول الإستحقاق الرئاسي، ولكن اللبنانيين تعودوا ان يتلقوا أي اتفاق من هذا النوع قبل الإعلان عنه رسمياً، وأكبر دليل على ذلك الإتفاق الذي أنتج تأليف حكومة الرئيس تمام سلام بعد أكثر من 11 شهراً من الخلافات والمماحكات بين القوى السياسية التي شاركت فيها، إذ هبط هذا الاتفاق في لحظة سياسية ما مفاجئاً الجميع فسارعوا الى تنفيذه بلا نقاش فصدرت مراسيم تأليف هذه الحكومة.
وإذا صح ان مثل هذا التوافق الإقليمي على الاستحقاق النيابي قد حصل او سيحصل، فيفترض ان ينعكس اتفاقاً قريباً على قانون الانتخاب داخل اللجنة الرباعية المكلفة اعداده أو من خلال مواقف مجمل القوى السياسية التي تبدو حتى الآن متباعدة حيال الصيغ الإنتخابية المطروحة، حيث أن كل فريقٍ ينادي بالقانون الذي يلبي طموحاته النيابية والسياسية، وتنقسم هذه المواقف بين منادٍ بقانون يعتمد النسبية الكاملة على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة او دوائر كبرى هي المحافظات التاريخية الخمس أو اكثر، أو لبنان 13 دائرة انتخابية حسب مشروع القانون الذي اعدته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي والموجود على طاولة البحث في اللجنة الرباعية الى جانب مشاريع اخرى.
ولكن يرشح في بعض الدوائر ان مشروع حكومة ميقاتي قد يكون المخرج بعد ادخال بعض التعديلات عليه وتتصل ببعض الدوائر جنوبا وشمالاً، الى درجة ان أحد الافرقاء السياسية بدأ يبدي مرونة في التعاطي مع هذا المشروع، لكنه يذهب الى طرح نزع نسبته الى حكومة ميقاتي من ضمن اقتراحه تعديل بعض محتوى هذا المشروع حتى يُسجّل هذا الانجاز للحكومة الميقاتية، ويقترح تعديلا يتصل بموقعية صيدا الانتخابية بعدم دمجها بصور والزهراني، اذا ان مشروع حكومة ميقاتي يقسم الجنوب الى دائرتين، ويجعل صيدا في “دائرة الجنوب الاولى” الى جانب صور وقرى صيدا(الزهراني) وجزين، فيما الدائرة الثانية تضم بنت جبيل والنبطية ومرجعيون وحاصبيا.
في اي حال فإن الايام المقبلة ستظهر ما اذا كان للرياض لمسات ما في ما يتعلق بالمساعدة على تحقيق التوافق اللبناني ـ اللبناني على قانون الانتخاب، لكن سياسيين مطلعين يجزمون بأن الرياض مهتمة في هذه المرحلة بإعادة تفعيل علاقتها بلبنان على اساس صفحة جديدة كان الوزير السبهان مهد لها في ما نقله من ثوابت الموقف السعودي الى القيادات السياسية التي التقاها خلال زيارته السابقة لبيروت، ومنها حرص المملكة على ان يعمل اي رئيس نتخبه اللبنانيون على ابقاء لبنان ضمن الاسرة العربية وابعاده عن المحاور والنزاعات الاقليمية.وكذلك استعداد المملكة الدائم والمستمر لمساعدة لبنان في مختلف المجالات انطلاقة من العلاقة التاريخية التي تجمع بين البلدين.
ويعتقد البعض ان زيارة السبهان تناولت العلاقات الثنائية عميقاً، خصوصا في هذه المرحلة التي تشهد مواقف صاخبة وعاصفة يتخذها الرئيس الاميركي الجديد دونالد ترامب، ويبدو ان الرياض ارادت الوقوف على مدى تأثر لبنان بهذا الصخب السياسي الاميركي والرياح الساخنة التي يثيرها وتهدد مجددا بإمكانية عودة الاصطفاف في المنطقة بين “دول اعتدال” و”دول مقاومة وممانعة”.