Site icon IMLebanon

هل من حلول مفاجئة تقتحم المشهد التعطيلي وماذا عن المخاوف من “مرحلة محكومة بالتصادم”؟

الذين ارادوا عن سابق عمد وتخطيط، او انطلاقا من مكابرة، او من عجز عن اجتراح الحلول والتسويات، ايصال الامور الى الحائط المسدود بلغوا هذا المرام في الايام الاخيرة، وعليه فرض السؤال التالي نفسه: ماذا بعد؟ وهل ثمة فرصة او رهان على معطيات تأتي من غامض العلم وتمهد لتسوية انقاذية تقتحم المشهد التعطيلي والابواب الموصدة؟ واستطراداً ماذا عن المخاوف المتقدمة عن مرحلة محكومة بالتصادم بادر رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون الى التنبيه للمرة الاولى من مغبة حصولها، والكلام الذي اطلقه الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله ومفاده ان الندم سيصيب الذين عطلوا التسويات وأوصلوا الامور الى هذا الدرك؟

الذين خطر لهم لحظة تناهى الى علمهم ان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط قد غادر الى السعودية بعد طول انتظار، امكان ان يعود بمعطيات جديدة تساهم في الحلحلة وابرام تفاهمات، ما لبثوا ان منوا بخيبة امل اثر عودته، لا سيما بعدما اطلق مواقف لا تنم الا عن عموميات ولا تشي بأي امكانات او فرص حل جديدة.

في الافق السياسي ايضا كلام قديم – متجدد عن مبادرة يقال إنها قد تحظى بمباركة القيصر الروسي تقوم في جوهرها على انتخاب لرئيس لسنتين، وهو امر ابلغت مصادر “تكتل التغيير والاصلاح” المتصلين بها انها ليست في جوها وانها إن عرضت عليها ستبادر فورا الى رفضها تحت شعار ان من عارض تعطيل موقع الرئاسة الاولى فمن باب اولى انه لن يقبل بتحجيمه من خلال مثل هذا العرض، فاما ولاية تامة وحكومة جديدة وتعيينات، واما ابقاء الامور تراوح مكانها.

في ظل هذا الانسداد والتشرنق، يبدو ان التيار البرتقالي هو الوحيد الذي يطوي اوراقه على خطة “مواجهة وتحرك” كما تقول المصادر عينها، فهو اختار ان ينطلق في حملة حراك تصعيدي في الشارع مكتمل الحلقات ومفتوح على آفاق زمنية ومكانية تحت سقوف متعددة باتت معروفة وتنطلق من الآتي:

– بقاء العماد عون مرشحا للرئاسة الاولى ورفض التجاوب مع اية عروض اخرى.

– لا مجال للعودة الى الحكومة الا بعد تعيين قائد جديد للجيش وتسمية مجلس عسكري وتعيين مدير عام لقوى الامن الداخلي.

– عدم الخروج من مجلس الوزراء او مجلس النواب للحؤول دون تكرار خطوة الثنائي الشيعي في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الاولى وذلك بالتنسيق مع الحلفاء كافة.

– الشروع في تنفيذ خطة “ادارة المواجهة الطويلة الامد” من خلال تنظيم تحركات تصاعدية في مناسبات ومحطات تتعدى المشاركة فيها جمهور التيار من خلال اثارة القضايا الحياتية وما اكثرها.

– المطالبة دوماً بقانون انتخاب على اساس النسبية واجراء انتخابات على اساسه ليكون ذلك مدخلا لإعادة تكوين المؤسسات الدستورية ومخرجا من حال الشرنقة التي بلغتها الامور.

هل هذا يعني ان التيار البرتقالي وحلفاءه قد بلغوا مرحلة اليأس من اجتراح مبادرات للتسوية وإعادة الامور الى سابق عهدها بما في ذلك بعث الروح في حكومة الرئيس تمام سلام التي توشك على الدخول في الغيبوبة؟

لا تخفي المصادر اياها ان مرحلة الفرص السابقة المتكررة للحل قد انطوت وصار الامر محكوما بالشعار الذي رفعه العماد عون في اطلالته التلفزيونية اخيرا وجعله مدخلا حصريا لإعادة الحياة الى مجلس الوزراء مجددا، والعماد عون يعي تماما انه بمجرد عرضه سيلزم نفسه به وسيكون سقف اي حراك او تسوية.

ولكن ماذا عن احتمال “الحالة التصادمية” التي نبه منها عون صراحة؟ واستتباعا ما علاقتها بحال الندم الآتي للذين عرقلوا التسويات التي تحدث عنها السيد نصرالله بكل ثقة؟

الامر عند عون، بحسب المصادر عينها، مبني بطبيعة الحال على سياق التجارب السابقة قبل ذهابه الى منفاه الباريسي وبعد عودته منه في ربيع عام 2004، وتحديداً تجارب الاعوام العشرة التي تلت هذه العودة وتجارب حكومات “تيار المستقبل” الأربع التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث التصادم يصير حتميا بعد كل استعصاء او انسداد افق سياسي كما هو واقع الحال اخيرا.

الى ذلك، بدا واضحا ان طريقة تعامل السلطة بكل مؤسساتها مع الحراك الشعبي وخصوصا في المواجهات الاخيرة في ساحة الشهداء، اضافة الى التعامل القاسي للقضاء مع المعتقلين من ابناء هذا الحراك والمشاركين فيه، كلها اوحت بأن السلطة باتت تخشى من ضعفها وهوانها من جهة، ومن تجرؤ الآخرين عليها من جهة اخرى، لذا لجأت الى هذا المستوى من الخشونة والعنف، وقد لا يكون المقصود الحراك فحسب بل الآخرين، فهي تريد من خلال كسر ارادة الحراك وإرعاب المشاركين فيه ارسال رسالة ترهيب لمن يعنيهم الامر. وما يرفع منسوب الخشية من الذهاب الى مرحلة التصادم ان الحراك يملك هو ايضا ارادة الذهاب الى خيار كهذا.

اما كلام نصرالله فلا ينطوي على تهديد او وعيد بقدر ما هو تنبيه من مخاطر ايصاد الابواب امام فرص التسويات وعروض التفاهمات والحلول التي لاحت مرارا خلال الاشهر الاربعة الماضية، خصوصا ان السيد نصرالله الذي اطلق كإجراء وقائي للحؤول دون التعقيد، اكثر من نداء لفتح قنوات حوار بين التيارين الازرق والبرتقالي وللحفاظ على الحكومة فاعلة منتجة، يعي مخاطر الانزلاق الى الشلل والتعطيل والرهان على عامل الوقت لتعديل المسارات.

ولا تخفي مصادر التيار البرتقالي و”حزب الله” ان الذين اوصلوا الامور الى هذا الانسداد ورفضوا التعامل بايجابية مع عروض التسوية، وكلها ممكنة التحقيق، وخاطروا بمصير الحكومة التي لهم فيها نصاب الاكثرية، إنما فعلوا ذلك لانهم لا يملكون خيارات مفتوحة، فضلا عن انهم يعملون بناء على قراءة جوهرها ان اي تنازل للعماد عون في هذه المرحلة بالذات يفضي بشكل او بآخر الى تمهيد الطريق امام الرجل لتحقيق طموحه في بلوغ قصر بعبدا، وهو ما يعتبرونه “خطرا داهما” تتضاءل امامه مسألة تعطيل الحكومة. لذا فهم يؤثرون الذهاب الى هذا المستوى من التعطيل والتعقيد رهانا على عامل الوقت من جهة، ورهانا على ظهور تحولات اقليمية عسى ولعل تغيّر في المسار وتبدّل في الاحوال.