Site icon IMLebanon

هل يُعلّق “التيار” شروطه لمصلحة الناس؟ الصرخة الشعبية جرس إنذار لجميع الزعامات

لعل بعض رؤساء البعثات الديبلوماسية في لبنان ممن تساءلوا دوماً عن عدم تحرك المجتمع المدني الذي يمثل دينامية شبابية في بلد يفترض انه ديموقراطي ضد طبقة سياسية استغلالية ولا يهمها الا مصالحها، سيكونون حذرين جداً في كل مرة يمكن ان يثيروا مثل هذا التساؤل في ضوء الاستغلال السياسي الفاضح للتحرك الذي حصل في نهاية الاسبوع والذي كاد يقود الى احتمالين خطيرين في هذا التوقيت على الأقل: احدهما ذهاب لبنان الى الفوضى بعدما بدا انه قاب قوسين او ادنى منها مع التكسير والتهشيم الذي تعرض له وسط بيروت في ظل استغلال مفضوح للحركة الشبابية المطلبية ركبت موجته كل القوى السياسية فعطلت مفاعيله وحرفته عن اهدافه، فضلاً عن دخول قوى حاولت استفزاز القوى الامنية التي كادت بدورها تنزلق الى قوة مفرطة يمكن ان تذهب بالبلد كما ذهبت بدول الجوار الى ما نشهده اليوم في سوريا مثلا. فلا تحتمل المنطقة انهياراً للبنان مماثلاً لاي انهيار في دول الجوار العربي مع استعارة شارعية لشعارات من ثورات المنطقة عن ان الشعب يريد اسقاط النظام واستقالة الحكومة ومجلس النواب. والاحتمال الثاني هو اسقاط الحكومة التي لا حرج في سقوطها من حيث المبدأ لولا الفراغ الرئاسي القائم منذ سنة وبضعة اشهر وسط عجز عن المساعدة في تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية وشلل مجلس النواب وغياب خريطة طريق للخروج من الوضع الذي يمكن ان يؤول اليه في ظل حكومة تصريف اعمال. ولذلك تمت المسارعة الى تطويق احتمال مماثل بتأكيد ضرورة استمرار الحكومة ومحاولة تفعيلها لئلا يصبح متعذراً ضبط مطالب الناس وثورتهم.

من هذه الزاوية بدا ان “التيار الوطني الحر” سيكون محرجاً جداً في حال عطل مجدداً اتخاذ قرارات في مجلس الوزراء تتعلق بتسيير شؤون الناس الحياتية، وكذلك سيكون “حزب الله” معه باعتباره داعما لمطالب حليفه. ومع ان التيار سعى الى تبني التحرك الاحتجاجي ضد الحكومة والمسؤولين لمصلحته على غرار ما سعت اليه جهات سياسية اخرى، فانه سيكون صعباً جداً الاستمرار في الحديث عن “تجاوز” رئيس الحكومة تمام سلام وزراء التيار باصداره مراسيم رفض هؤلاء توقيعها في ظل الظروف الضاغطة الاخيرة. ولذلك سعى العماد ميشال عون الى الاتصال بكل من البطريرك بشارة بطرس الراعي والرئيس امين الجميل والدكتور سمير جعجع من أجل موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية في اصدار المراسيم في حين يبدو ان هؤلاء الافرقاء محرجون في تقديم حلول للمواطنين في ظل اعلان دعمهم حقوقهم وتحركهم في الشارع . ويرى مراقبون ان مخرجاً مهماً توافر “للتيار الوطني الحر” في الازمة التي وضعت لبنان على شفير الفوضى من اجل الخروج من الزاوية التي وجد نفسه فيها. اذ ان الاعلان عن تجاوز الحقوق مرحلياً او تعليقها من دون التخلي عنها من اجل تفعيل العمل الحكومي وانقاذ الوضع مما هو عليه والمساهمة في تقديم اولوية شؤون المواطنين على شؤون التيار ومصالحه الخاصة كان سيكون اكثر اهمية وفاعلية. ولا يزال المجال متاحا لذلك قبيل انعقاد جلسة مجلس الوزراء التي بات جدول أعمالها واضحاً ومعروفاً وعلق الرئيس سلام استمرار حكومته على اقرار بنودها شعوراً منه بان الوضع شارف الانهيار، وهو كذلك باعتبار ان الناس سئموا جميع الزعامات وليس زعيما دون آخر. فالتحديات تفرض احياناً الخروج من الزاوية التي يكون السياسيون وضعوا انفسهم فيها الى البحث عن حلول من خارجها. وسيكون مناسباً جداً استغلال التيار الازمة المصيرية التي وضعت لبنان على مشارف الفوضى الكاملة لكي يعلن انه يعلق موقتاً الحصول على مطالبه التي يقول انها محقة من اجل تمرير شؤون الناس وعدم ابقائها رهينة التعطيل المعتمد على ان يبقى متمسكا بالسعي الى تحقيق مطالبه في الوقت نفسه وعدم التنازل في شأنها فيكسب بذلك دعما شعبيا بدا انه يفقده في ظل عدم القدرة على الاقناع بمطالبته بما يسميه حقوق المسيحيين.

فحليفه “حزب الله” يحاول تخطي هذه الأزمة من خلال الدفع بضرورة ان يفتح مجلس النواب ابوابه من دون ان يرتبط كما قال عضو كتلة الوفاء للمقاومة علي فياض بأي شروط أو تعقيدات سياسية اخرى لان هناك حاجة ماسة لذلك في مقابل قوله ان ما تحتاج اليه الحكومة هو جدول أعمال متفق عليه مسبقاً. لكن هذا لا يعفي القوى الاخرى من مسؤولية ضرورة السعي الى تدوير الزوايا.

واذا كان المجتمع المدني استطاع ان يثبت نفسه على رغم الكثير من الأخطاء وعدم النضج، فإن صرخة المواطنين يفترض ان تنذر الزعماء جميعهم بضرورة تغيير ادائهم على الاقل والتراجع عن الاستهانة بمصالح الشعب وحقوقه ما دام متعذراً التخلي عنهم لالف سبب وسبب معروف وابرزهم السبب الطائفي. فالصرخة الشعبية كانت جرس انذار ومرشحة لان تتوسع لولا تعطيلها. وهذا ما يتعين ان يأخذه هؤلاء في الاعتبار وعدم الاستهانة به سواء نجح التحرك الشعبي كليا ام لم ينجح.