حسم الرئيس نبيه بري أمره وتجاوز كل «المحاذير»، المتوقع منها وغير المتوقع، وقرر دعوة مجلس النواب للانعقاد في جلستين متتاليتين يومي الخميس والجمعة المقبلين، وضعتا تحت عنوان «تشريع الضرورات» التي «تبيح المحظورات..»؟!.
يوم أمس، أفصح الرئيس بري بالكامل عن جدول الأعمال، والدافع الأساس للجلسة، هو على ما يتردد، «اقرار المشاريع المالية المطروحة على جدول الأعمال، لاسيما تلك التي تعيد صدقية لبنان ازاء المجتمع الدولي..» على ما يقول رئيس كتلة «المستقبل» الرئيس فؤاد السنيورة، الذي أبدى حماسة غير مسبوقة لهذه الجلسة.. من غير ان يعني ذلك اسقاط سائر البنود (وعددها أربعون على ما يقال)..
الدعوة فاجأت كثيرين.. والرئيس بري على ما يظهر، حبكها بشكل جيد مع رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط، ومع «المستقبل»، ومع «قيادات مسيحية»، مشفوعة «باذن مرور» من «حزب الله»، الذي يجد نفسه في موضع حرج للغاية.. وهو يرى حليفه رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» (الجنرال السابق) النائب ميشال عون، وقد فاض به جراء سياسة ادارة الظهر لمطاليبه.. (في وقت لا يستطيع الخروج من«عباءة بري» الحاضنة..») خصوصاً أكثر، ان عون و«القوات اللبنانية» على تفاهم عميق، وهم يتطلعون الى جلسة على رأس جدول أعمالها بندان أساسيان: استعادة الجنسية للمغتربين من أصل لبناني، وقانون انتخابات نيابية «عادل ومنصف» هذا في وقت حسم حزب «الكتائب» وقرر مقاطعة أي جلسة لا تكون مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية..
وفي وقت كان المتداول من المواقف بأن «لا جلسة تشريعية اذا غابت عنها كتلتا «القوات» و«التيار الحر».. فإن الرئيس بري مضى في قراره على خلفية «ان استئناف العمل التشريعي بات أكثر من ضرورة.. ولا يمكن ان يستمر هذا الوضع على ما هو عليه..» على ما نقل عنه نواب «لقاء الاربعاء» موضحاً – في رد على احتمال مقاطعة الكتل المسيحية الوازنة – «ان الميثاقية تعني بالدرجة الاولى الحفاظ على الوطن والمواطن وليس زيادة التعطيل والانهيار..».
فريقا «التيار» و«القوات» يتهمان الرئيس بري بالخروج على «الميثاقية» او «اجتراح ميثاقية جديدة..» والرئيس بري يصف موقف «الفريقين المسيحيين الأبرز» من الجلسة بأنه «خاطىء.. بل أكثر من خاطىء..»؟!
يأخذ كثيرون على رئيس المجلس، أنه عند اللحظة، نقض كل تعهداته وأسقط كل مشاريعه التي دأب على تسويقها خلال الأشهر الماضية، بل السنوات السابقة، ومن أبرزها صياغة قانون جديد للانتخابات النيابية على أساس النسبية او «المناصفة بين النسبية والعددية..» وعلى أساس ان يكون لبنان دائرة انتخابية واحدة، او على أساس المحافظات الواسعة، كما نص الطائف.. وهم يستبعدون صفقة من تحت الطاولة بينه وبين «المستقبل»، تبقي القديم على قومه «بانتظار ان تنضج الظروف..».
يجتح الرئيس بري بوجود نحو سبعة عشر مشروع قانون للانتخابات في هيئة مكتب المجلس، ليبرر قفزته عن هذه المسألة البالغة الأهمية، والتي «تحتاج لسنوات وسنوات..» لكن ما لا شك فيه ان دعوة الرئيس بري لعقد الجلسات من دون قانون الانتخابات أصابت «التيار الحر»، كما «القوات اللبنانية» كما آخرين بضربة موجعة، والفريقان، يشكلان على «الساحة المسيحية» ثقلاً كميا ونوعياً لا يمكن تجاهله او القفز من فوقه، وهما يصران على اعطاء الأولوية لقانون استعادة الجنسية، كما ولقانون جديد للانتخابات.. وإلا فالمقاطعة تبقى خياراً وأمراً واقعاً، إلا اذا..؟! وإذ أفصحت «القوات» بشكل واضح، لا لبس فيه، عن رفضها المشاركة في الجلستين، كما أفصح «حزب «الكتائب» – وان لأسباب مختلفة، عن قرار المقاطعة، فإن البعض، لايزال يراهن على امكانية اقناع العونيين بالحضور، وهو أمر سبق (للوزير السابق) سليم جريصاتي ان استبعده على خلفية ان «تشريع الضرورة في غياب رئيس الجمهورية ليس تشريعاً استنسابياً، بل له ضوابط دستورية وميثاقية.. وهو تشريع يتعلق باعادة تكوين السلطة، وبالهوية اللبنانية وبالمصلحة الوطنية العليا.. وتنبثق من هذه الأخيرة قوانين اعادة تكوين السلطة أولاً كقانون انتخاب أعضاء مجلس النواب» مذكراً بأن «التمديد الاول لمجلس النواب هدف – على ما قيل – الى اقرار قانون انتخاب جديد يتوافق مع الطائف ومع الدستور..».
في قناعة البعض ان الأيام المقبلة قد تكون حافلة بالعديد من التطورات، لكن أحداً لا ينكر ان محاولة الرئيس نبيه بري انعاش مجلس النواب بجلستين متتاليتين، حافلتين بالبنود غير الأساسية، لن تكون موضع ترحيب وطني شامل، خصوصاً وأنها اطاحت كل تعهدات الرئيس بري نفسه وكل ما كان يراهن عليه «الافرقاء المسيحيون»، وان حظي بتأييد من النائب سليمان فرنجية، ومن نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، وآخرين.. وهم على أهميتهم، لا يشكلون الضمانة الحقيقية الكافية للميثاقية المطلوبة.. خصوصاً وان حلفاء لـ«القوات» و«التيار» على ضفتي 8 و14 آذار شغلوا محركاتهم السياسية لاقناعهما بالحضور وعدم المقاطعة، إلا ان لا نتائج ايجابية بعد؟!