IMLebanon

هل يلغي “أوباما – روحاني” “روزفلت – سعود”؟

في معظم القضايا الشرق الأوسطية أو الأزمات، وخصوصاً التي منها تستدعي تدخُّلاً دولياً أو تحتاج الى تدخُّل كهذا، سواء لايجاد حلول لها أو لمنع آثارها السلبية على العالم وخصوصاً على مصالح الدول العظمى والكبرى فيه، اعتاد الاعلام العربي الاعتماد في معظم تحليلاته وتوقعاته على معلومات مراكز الأبحاث في العالم المتقدم وفي مقدمها الأميركية. ودافعه الى ذلك قدرتها على الوصول الى المعلومات من مصادرها المتنوعة في الداخل والخارج، والحرية الواسعة التي تنعم بها، فضلاً عن حاجة الادارات الحاكمة في بلدانها اليها. ودافعه الى ذلك أيضاً غياب المراكز البحثية الموضوعية في العالم الثالث والشرق الأوسط جزء منه، علماً أن المراكز الغربية وتحديداً الأميركية على موضوعيتها ودقتها تشكو أحياناً من انحياز ومن التحوُّل فريقاً في قضايا عدة. لكن ذلك لا يحول دون ملاحظة الاعلام العربي المدقِّق الانحياز المذكور ومحاولة تجاوزه للوصول الى المعلومة المجرّدة. في حين أن المراكز المماثلة في العالمَيْن العربي والاسلامي والتي تنامت أخيراً كالفطر صارت جزءاً من “البروباغندا” الاعلامية لأطراف الصراع الكبير الدائر فيهما، الأمر الذي يضعف امكان الحصول من تحليلاتها على أي معلومة ثابتة وصحيحة.

طبعاً، لا يعني هذا “التعميم” غياب مراكز بحثية جدية، وان قليلة العدد، عن الساحة. وقد وجدتُ في تحليل لاحداها تناول الاتفاق النووي بين أميركا وايران (في اطار المجموعة الدولية 5+1) بجدية، ومن وجهة نظر عربية كما من وجهة نظر خبراء أميركيين. ورأيت أن من المناسب اطلاع القراء في لبنان وخارجه عليه، اذ ربما يزوِّدهم بما يمكّنهم من قراءة الواقع ومن محاولة استشراف المستقبل.

بدأ التحليل بالاشارة الى “الاتفاق التاريخي” الذي حصل عام 1945 بين الرئيس فرنكلين روزفلت ومؤسّس العربية السعودية الملك عبد العزيز بن سعود، والذي حدّد دور أميركا في الشرق الأوسط وساهم في تشكيله الى حد بعيد. ومنذ ذلك التاريخ، صارت علاقة العرب وأميركا حجر زاوية ليس في السياسات الاقليمية فقط بل أيضاً في الحسابات العالمية. لكن، بعد نحو 70 سنة، توصّل الرئيس باراك أوباما الى اتفاق (نووي) مع ايران. وأثار ذلك خشية العرب، وفي مقدمهم الحليف العربي الأول له أي السعودية، علماً أنه لا يزال مبكراً القول إن هذا الحليف قد استُبدل. فالتطورات والأحداث الاقليمية تُكتب الآن مع تاريخها ودور أميركا فيها وبعد انتهائها. الا أن تجارب الماضي تعلِّم الجميع أن تطوّر أي موضوع يتوقف على طريقة نشأته وحصوله.

ومرّ التحليل نفسه، انطلاقاً من هذه المعرفة، بنقاط عدة. أولاها أن لايران قوة عسكرية جدّية ومهمة، وأن ميزان القوى على الأرض بين أميركا وايران كما هو من منظور اقليمي يوحي أن العلاقة التي ستنشأ بين واشنطن وطهران الملالي ستكون مختلفة كلياً عن التي قامت بين روزفلت وعبد العزيز بن سعود. وثانيتها أن ايران نجحت في المحافظة على امكاناتها النووية، وأنها ستتمتع بحرية حركة على مسرح عالمي متجانس نسبياً بعد رفع العقوبات عنها. كما إنها ستتلقى كميات من المال بعد مدة قصيرة من التصديق على الاتفاق النووي. ويبدو أن “وكلاء” ايران (أي حلفاءها) موعودون بزيادات كبيرة لمخصصاتهم المالية. هذا عدا ارتفاع المعنويات الذي شعروا به بعد توقيعه. علماً أن النظام الاسلامي الايراني لم يبدُ يوماً مستقراً كما هو مستقر اليوم.

أما ثالثة النقاط فهي ليست الاتفاق نفسه بل ما يتبعه. ذلك أن السؤال الذي يُطرح دائماً بعد علاقة جدية بين قوة عظمى وشريك اقليمي هو: أين ستكون الحدود بين المصالح الوطنية المتناقضة والمتعارضة والمتواجهة للفريقين؟ وهذا السؤال يطرح تحدّياً. والتناقض الجوهري سيظهر في كل خطوة تقوم بها ايران في الشرق الأوسط، ذلك سيدفع الى سؤال أميركا عن مدى موافقتها على تصرُّف أصدقائها الجدد في طهران. وليس سراً أن لهذه الدولة طموح احياء أمبراطوريتها القديمة. وقد عبّر عن ذلك أكثر من مسؤول فيها في الاعلام. الا أن هذا الطموح وغيره لا بد أن يظهر في وضوح مستقبلاً، وسيفرض على أي ادارة أميركية خيارات صعبة. فاذا تجاوزت ايران قواعد التعامل الدولي كما تفعل دائماً وترددت واشنطن في مواجهتها فانها ستعود الى متابعة جهودها النووية التي جمّدها الاتفاق. كما إنها قد تصبح أكثر عدائية اذا لمست تردداً أميركياً في استعمال القوة. ولن يثنيها عن ذلك فرض عقوبات عليها أو تجديد عقوبات قديمة.

ماذا أيضاً في تحليل المركز البحثي العربي (كلياً أو جزئياً) عن الاتفاق النووي وتداعياته العربية؟