IMLebanon

هل من مفرٍّ من المواجهة مع القطاع العام؟

 

 

لم تكن السلطة يوماً مضطرة الى خوض المواجهة المتوقعة مع القطاع العام بمختلف قطاعاته وأسلاكه، ما قاد الى نقاش عميق بين أركانها في إمكان تفادي مثل هذه المواجهة الصعبة، التي يمكن أن تطال قواعدها الشعبية، وتلك المتوقعة مع العسكرية منها. وهو أمرٌ لم يتوافر له حلٌّ سوى تأجيل البحث في مشروع قانون الموازنة الى أن تتمّ التسوية. لماذا وكيف؟

تعترف اوساط حكومية انّها لم تكن تتوقع حجم الملفات التي سيكون على «حكومة الى العمل» مواجهتها وهي ما زالت طرية العود. فإلى التسوية السياسية التي اهتزت في الأشهر التسعة التي استغرقتها عملية التأليف على اكثر من محور من محاور التسوية السياسية التي أسّست للعهد الجديد، وجدت نفسها أمام أكثر من استحقاق وُصف بعضها بـ «المصيري»، ما لم تتوصل الى تسوية شاملة تسمح لها في المرحلة الأولى بوقف المناكفات الداخلية، التي بلغت الذروة في اكثر من ملف وبند وقضية، فحَفِل مسلسل جلسات مجلس الوزراء بكثير من الأمثلة عليها.

من الواضح أنّ الحكومة وجدت نفسها ـ بين المزح والجدّ ـ أمام خيارات مصيرية، وعليها أن تتراجع عن معظم ما سمّته بـ «إنجازات» أقدمت عليها بكثير من «الفخر والإعتزاز» عشية الإنتخابات النيابية الأخيرة، لتوفير الظروف التي يمكن من خلالها مواجهة المعارضة والبيوتات السياسية التي تمّ تفتيتُها في قانون الإنتخاب الذي أنتجه «الرباعي القوي»، قبل أن تتفكّك عُراه بعد الإنتخابات النيابية، فوجدت نفسها في الفخ الذي نصبته للمواطنين والمعارضين على حدٍّ سواء.

وتضيف هذه الأوساط، لم يطل الأمر لنقع جميعنا ضحية سلسلة من القرارات الشعبوية التي لم تكن تستند الى أيّ أرقام وإحصائيات علمية، بعدما أُقرّت سلسلة الرتب والرواتب ومجموعة الدرجات التي منحتها لهذا القطاع أو ذاك، قبل أن تُدرك حجم الكلفة المقدَّرة والنتائج التي يمكن الوصول اليها. وللدلالة على حجم العشوائية التي مورست وعدم الإستناد الى الأرقام المتوقعة في موازنة 2018 التي وُضعت على عجل وبقرارات سياسية لا تمتّ الى واقع الأمر في شيء. فلم يكن مفروضاً اللجوء الى أيٍّ من القرارات التي اتُّخذت قبل توفير الظروف التي تسمح بإمرارها وتحديد الأرقام الخاصة بكلفتها، وما هو متوقع من واردات بقيت دون المستويات المقدَّرة لها من سلسلة الضرائب والرسوم التي فُرضت. وهي التي شكّلت لهم قوة دفع في الإنتخابات النيابية، فعادوا الى مجلس النواب متباهين بما حققوا من إنجازات ما لبثت أن انقلبت نتائجُها على صانعيها.

فباستثناء التطويع في المؤسسات العسكرية والأمنية، الذي كانت تحتاجه في مواجهة الإرهاب، وحجم النزوح السوري وما ألقاه على عاتق البعض منها من مسؤوليات جسام، ركب معظم الوزراء موجة التوظيف العشوائي الذي ظهر في جانب منه على أنه كان «منظَّماً» عن طريق التفاهمات الثنائية والثلاثية بين اركان السلطة الذين خاضوا الإنتخابات النيابية على حساب الموازنة العامة والمال العام قبل أن يمدّوا الأيدي الى الجيوب الفارغة. وهو امر قاد في النتيجة الى الوقوع في المأزق الذي تسبّبوا به، فوجدوا انفسهم امام استحقاق هو الأدهى على الإطلاق وسط إصرار على عدم المَسّ بمكتسباتهم المالية والسياسية وما لهم من مليارات المال العام من مخصصات، فاتّجهوا الى محاولة «تبليع الناس» ما ينوون إتخاذَه من خطوات يعترفون أنها صعبة وغير شعبية، من دون أن يرفّ لهم جفن.

ولذلك، تضيف هذه الأوساط، انّ اخطر المواجهات المحتملة هو ما شهده اجتماع المجلس الأعلى للدفاع أمس، حيث تجنّب المجتمعون، وهم من اعلى المواقع الحكومية والعسكرية، مناقشة ما هو مُقترح لتقليص التعويضات المادية للعسكريين المكتسبة بموجب التدبير «الرقم 3» الى المناقشات المتوقعة في بنود الموازنة العامة في كل وزارة على حدة.

ومردّ ذلك – تعترف الأوساط العليمة – أنّ الأصداءَ السلبية، التي بلغت المسؤولين في الأيام القليلة الماضية حول ما هو متوقّع من ردّ فعل لدى مختلف الأجهزة العسكرية والأمنية والمدنية والقضائية مقلقة جداً، وأضيف اليها ما شهده الشارع أمس وإمكان استغلاله. وهو ما أوحى لبعض اركان الدولة أنّ على المسؤولين إعادة النظر في ما هو مقترح والبحث في سبل تقليص أرقام الموازنة في أبواب اخرى، ليس أقلّها المخصصات الموضوعة في تصرف البعض منها والوزراء والنواب والموظفين الكبار، وهو امر لا يمر في سهولة أيضاً.

وبناءً على ما تقدّم، فإنّ اولى الترددات السلبية لما هو مطروح انعكس فرملة في موضوع إحالة الموازنة وتأجيل جلسة الحكومة وتقديم التوافق السياسي المطلوب مسبقاً، قبل الغوص في أيٍّ من الخيارات المطروحة، الأمر الذي لن تكون له مخارج قريباً، بدليل حال التخبّط التي ستطول الى حيث لا يمكن أحد التكهن به من الآن في انتظار أن تتفتّق العبقريات في الأيام المقبلة لتوفير المخارج في مهمة قد تكون الأصعب الى اليوم.