يندر ان يمر يوم واحد على لبنان، إلا ويصدر عن مرجعيات رفيعة المستوى وقيادات سياسية ونقابية ومرجعيات روحية دعوات لانجاز تأليف الحكومة اللبنانية الجديدة »بأسرع وقت ممكن«، وهم يربطون هذه الدعوة بالتحديات السياسية والاقتصادية والازمات المعيشية والاجتماعية التي بدأ يعاني منها اللبنانيون وقد »طفح الكيل«.. لكن »على من تقرأ مزاميرك يا داود«؟! وكل فريق من الافرقاء المعنيين يقدم نفسه على أنه قدم »تنازلات« اكثر كثيراً مما يقدر عليه، ووفر من »التسهيلات« ما يكفي لأن تبصر الحكومة العتيدة النور.. لكن لا شيء من ذلك على أرض الواقع، والمعنيون بانجاز الاستحقاق الحكومي، يدورون في حلقات مفرغة، وما يقدمونه من أسباب لم تقنع غالبية اللبنانيين الساحقة..
في المجالس الخاصة، يقر هؤلاء ان المسألة اكثر تعقيداً مما هو بيّن وظاهر، ولا يتجاهلون حسابات البعض على التطورات الدولية – الاقليمية – العربية الاخيرة على الارض السورية، وما ستكون عليه وما يمكن أن تتركه من تداعيات في الواقع اللبناني، بصرف النظر عن من يربح ومن يخسر..
اتفق الافرقاء السياسيون كافة، على تأليف »حكومة وفاق وطني« لا تستثني أحداً.. لكنهم لم يتفقوا على المعايير وتقف أية نسبة ستكون المشاركة، مع التسليم بمبدأ »المناصفة« بين »المسلمين« و»المسيحيين« حيث حطت أزمة الحصص وتوزيع الحقائب، بين »الثنائي المسيحي – الماروني« (»التيار الوطني الحر« و»القوات اللبنانية«) وكل يغني على ليلاه.. لكن الخطير، ان المسألة لم تعد تتفق عند هذا المربع، بل تجاوزته الى ما لم يكن في الحسبان، وقد كان اجتماع المطارنة الموارنة الشهري، أول من أمس، برئاسة البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، رسالة بالغة الدلالة والأهمية، لافتاً الى ما أسماه »الادهى« ان تفتح لدى كل استحقاق دستوري، وقضايا في الدستور (تتعلق بالصلاحيات بين الرئاستين الاولى والثالثة) تكون طي الكتمان او النسيان في أوقات الدستوري، وهو الوقت المناسب لطرحها ليتم التفكير فيها بعيداً عن التحدي والمنازلات السياسية..« مناشدين »جميع السياسيين ان يتحملوا مسؤولياتهم ويسهلوا تأليف حكومة تقوم بواجباتها الملحة تجاه الخير العام وخير المواطنين..« خصوصاً وأنه »لا يمكن إغفال الحال الاقتصادية المتردية والمخاوف التي تساور اللبنانيين عندما يرون قطاعات كبيرة تتعرض لاهتزازات مصيرية تأتي نتائجها وخيمة على الاقتصاد اللبناني الوطني.. وقد أطل شهر العودة الى المدارس والجامعات، واضعاً معظم الأهل أمام استحقاقات ضاغطة وخطيرة قانونية ومالية واجتماعية، لا قدرة لهم على تحملها..« وهم باتوا أمام خيارات دقيقة، صعبة وبالغة الخطورة.
يبقى للبنانيين شيء من التفاؤل، حيث لم تنقطع وسائل الاتصال بين قصر بعبدا و»بيت الوسط« على رغم أجواء التشنج التي اجتاحت الساحة اللبنانية، ومن أبرزها تلك بين »التيار الوطني الحر« من جهة و»القوات اللبنانية« و»تيار المستقبل« من جهة ثانية. وقد بالغ تكتل »لبنان القوي« وراح بعيداً جداً عند وصف مبادرة الرئيس المكلف سعد الحريري، تقديم صيغة (او مسودة) حكومية لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأنها »رفع عتب«. حاملاً على رفض الفريق الآخر »احترام صلاحيات رئيس الجمهورية في التشكيل«.. هذا في وقت كان الرئيس المكلف ينتظر ان يستمع من الرئيس عون مباشرة الى ردة على الصيغة التي قدمها اليه الاثنين الماضي..
بسحر ساحر اجتاحت الساحة اللبنانية أجواء تشنج طائفي، ومن كانوا قبل أيام يصنفون بخانة »الخصوم« و»الاعداد« للرئيس الحريري من الطائفة السنية التقوا تحت خيمة عدم المس بصلاحيات رئيس الحكومة وباتفاق الطائف«؟!
ليس من شك في ان الرئيس الحريري في »وضع حرج للغاية« وهو يرفض ان تؤول الامور الى ما آلت اليه… والعتب الأكبر هو على فريق رئيس الجمهورية الذي راح بعيداً في قراءته ومواقفه، على خلفية »صراع الوجود السياسي مع »القوات« اللبنانية، وعمله على الامساك بالقرار المسيحي في البلد؟!
دخل الرئيس نبيه بري على الخط، لكن هذه المرة من حيث لم يكن يتوقع أحد.. وهو وإذ بقي متمسكاً بقناعته »ان المطلوب لتشكيل الحكومة تنازل الجميع.. وان أي طرف لا يستطيع ان يصل الى ما يراه او يريده في تشكيل الحكومة.. فقد طرح الصوت عالياً، منبها من المخاطر الاسرائيلية على النفط اللبناني في مياه لبنان الاقليمية..«.
في متناول عديدين، أكثر من سبب يمنع ولادة الحكومة العتيدة، وهي وان لم تكن الاولى من نوعها، إلا أنها تكتسب في هذا المرحلة التي تمر بها المنطقة ابعاداً استثنائية وبالغة الخطورة، ولا يمكن لمجلس النواب ان يبقى يراقب، مكتوف اليدين، والامور قد تصل الى حائط مسدود؟ لكن كيف ومتى فالامور في عهدة الرئيس بري الذي يحضر لـ»تشريع الضرورات« فهل هناك من ضرورة أكثر من ضرورة تشكيل الحكومة؟! وهل أدمن اللبنانيون على »الفراغات«؟!