IMLebanon

هل من دروس بلدية لمعالجة حال الشغور؟  

ما يجعل الانتخابات البلدية متوقعة الحدوث في موعدها أنها بخلاف تلك النيابية لا خلاف فيها على قانون الانتخاب، وان ما يمكنه ان يستبطن خلافاً على تقسيم الدوائر والتوازنات الطائفية والمذهبية فيها يعالج بالتسويات السياسية.

طبعاً، ليست هذه المعالجة مضمونة في كل وقت، وفي كل مساحة، لكنها متاحة. ليس هناك ما هو مستعصٍ في الانتخابات البلدية، ولأجل ذلك يتوقع أن تحدث، ولو أننا في بلد من الاستثناء فيه أن تحدث الأمور في مواقيتها الدستورية والقانونية. ليس طبعاً لأننا نتأخر على المواعيد، بل لأن ثمة حالة مكبلة للبلد بسلاحها ومغامراته، وثمة من تناسبه هذه الحال ولو سلبياً، لتبرير قعوده.

الحيوية الانتخابية البلدية حتى الآن عادية، ولا تشهد قطبية حادة، بل ان مفردة الحيوية نفسها قد تكون وصفاً مبالغاً به، ليس فقط باستباق النسب المتوقعة للانتخاب، بل ايضاً بالأسف الواجب التعبير عنه حيال عدم حصول مناظرات حية مباشرة بين اللوائح المتنافسة، لا سيما في البلديات الكبرى، التي يعتبر فيها الاستحقاق مؤشراً للحساسيات والبورصة السياسية، خصوصاً في ظل هذا المشهد الخطير من الشغور الرئاسي، وشيخوخة المجلس النيابي الحالي المنتخب منذ سبع سنوات، والمجدد لنفسه مرتين، وهو عشية الثالثة.

يبقى أن أي استحقاق انتخابي يجري في لبنان لا يمكن أن يكون معلباً بكليته كما يتوقع المتشائمون دائماً. قطعاً ليس المنتظر تغييراً في عمق السلوكيات المجتمعية اللبنانية مع هذا الاستحقاق الذي يرسخ الصورة الاجمالية عن «مجتمع الأعيان»، لكن ثمة دوافع جدية أساسية لا بد أن تظهر نفسها بشكل أو بآخر، وقاسمها السياسي المشترك أن ما كان مؤجلاً من هواجس وأسئلة ومطالب في عشرية التصادم الحاد بين ائتلافين «آذاريين»، صار يطرح نفسه بالحاح أكبر اليوم، والمكابرة على هذا البعد لن تفضي الا الى تكبيره.

السؤال الذي يفترض ان يطرح نفسه حال حصول الاستحقاق، وبشكل أوضح حال اذاعة نتائج مختلف البلديات، واستيعاب مؤشراتها، هل يمكن ان ينعكس هذا النجاح في تأمين استحقاق «الديموقراطية المحلية» في موعده، بالدفع باتجاه رفع الكربجة المتصلة بمسألتي الشغور الرئاسي وقانون الانتخابات – الانتخابات النيابية؟ 

تقنياً، ليس ثمة علاقة بين البلديات، والرئاسيات والتشريعيات. لكن الأمور لا تختزل بتقنيتها، اقتراع المواطنين للمجالس البلدية والمخاتير سيجعل الشغورين الرئاسي والتشريعي نافرين أكثر، في حين أن دور التسويات في تركيب اللوائح يفترض به أن يكون توطئة نفسية، أقله، «للأخذ والعطا» في الموضوعات التي يتم استعراضها بشكل تراجيدي رئاسياً وتشريعياً. كلما اقترب الاستحقاق البلدي، في الحدود الواقعية النسبية المتواضعة طبعاً، من مفهوم الديموقراطية المحلية، انتفعنا بموجة اقتراعية ضد الشغور والفراغ.

الجانب السيئ ان الانتخابات البلديات تحدث في بلد ليس فيه رئيس منذ عامين، وليست فيه انتخابات نيابية منذ سبعة أعوام، ويعيش معضلة عدم التفاهم على قانون انتخابي منذ أكثر من ربع قرن. الجانب الايجابي انها مناسبة أيضاً للضغط الاقتراعي ضد هذا المسار. ليست هناك قناة واضحة مباشرة لترجمة هذا الجانب الايجابي، وعدم ذهابه هدراً يتوقف على تعلّم دروس أساسية من الاستحقاق المتوقع حالياً: أننا لم نعد في أعوام القطبية الحادة الشاملة، رغم أن أسباب الاستعصاء والخروج على الدولة ومشاريع الهيمنة لا تزال على حالها، لكن ما حصل هو اتساع درجة رؤية اللوحة بكاملها، بشكل أقل مثالية وعاطفية، وأنّ تجديد كل أبعاد اللوحة كيفما كان، وفي كل آن، ليس بهذه الحتمية. كل القوى السياسية النافذة أمام هذا التحدي، وينجح فيه من يتفاعل بروية واستيعابية مع عناصر التحدي، ومع الضغط التفلتي للجيل الشاب. طبعاً، الدرس المقابل هو انه استحقاق نموذجي لجهة حاجة البلد للتسويات، الشفوية في الغالب، والغامضة لجهة معرفة هي تسوية على ماذا في التحديد وليس فقط على من، والتي تحدث في آخر لحظة.