لا يزال هنيبعل معمر القذّافي موقوفاً. انقضى عامٌ كامل وأُتبِع بأيام عدة، لكن لم تُكشف بعد أي معلومة جديدة عن مصير الإمام موسى الصدر. ماذا يكتم القذافي؟ هل يعرف فعلاً أين أُخفي الإمام ورفيقاه؟ أم أنه يدفع ثمناً سياسياً لكون اسمه هنيبعل معمر القذافي؟ هل توقيفه قانوني أم أنه رهينة سياسية؟ وكم ستستمر هذه الحكاية؟
هل يمكن الدفاع عن هنيبعل معمّر القذّافي، رغم أن والده كان طاغية ارتكب آلاف الجرائم بحقّ شعبه، ومن بينها جريمة اختطاف الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين؟ وإن كان والده قاتلاً وخاطفاً ومُجرماً، فما هو ذنبه؟ لماذا المطالبة بترك نجل الزعيم الليبي الراحل حرّاً، رغم ادعاء المحقق العدلي القاضي زاهر حمادة ضده بجرم «كتم معلومات في قضية وطنية كقضية الإمام الصدر ورفيقيه ثم بتهمة التدخل اللاحق بالجريمة».
هل من أدلة فعلاً تُثبت ذلك؟ ما هي هذه المعلومات، وهل كُشِف جديد عن مصير الإمام الصدر ورفيقيه منذ توقيفه؟ هل يمكن الدفاع عن موقوفٍ قال للمحقق العدلي أمس: «قضاؤكم عصابة. ممذهب ومُسيّس وفاسد»، ثم رفع إصبعه في وجه القاضي مهدِّداً: «إن لم تخلِ سبيلي، أعرف كيف سأتصرف معك». هل أخطأ القذافي أم أنّ القضاء أصبح كذلك فعلاً؟ تزدحم الأسئلة، لكن أكثرها إلحاحاً يبقى: «هل يعلم هنيبعل شيئاً عن القضية فعلاً أم أنّه كبش محرقة؟».
لماذا عزل القذّافي وكيلته القانونية الأولى بُشرى الخليل ثم اعتزل وكيله الثاني أكرم عازوري بملء إرادته ليُترك هنيبعل وحيداً اليوم يبحث عن محامٍ ثالث يدافع عنه؟ هل صحيح أنّ القذّافي يملك معلومات عن الإمام الصدر؟ وإن صحّ ذلك، فلماذا لم يبُح بأيٍّ منها رغم مرور عام على وجوده في أيدي أجهزة القضاء والأمن أو حتى لماذا لم ينتزعها منه المحقِّقُون كما يفعلون في القضايا الجنائية أو الإرهابية؟ من يملك الجرأة ليُجيب عن هذه الأسئلة بصراحة؟
مرّ عام وعشرون يوماً على توقيف هنيبعل، لكن لم يحصل أي تقدم يُذكر في هذه القضية، باستثناء ما حصل أمس بينه وبين القاضي حمادة من تلاسن وتهديد، انتهى بادّعاء القاضي عليه بجرم تهديد المحقّق العدلي وأحاله موقوفاً على النائب العام الاستئنافي في بيروت الذي أصدر بحقه مذكرة توقيف وجاهية وادعى عليه بالجنحة المشهودة. احتجّ القذّافي على ظلم القضاء، لكنه هدّد القاضي وحقّر القضاء. لكن مهلاً، فهل من مجال للمقارنة بين القضاء اللبناني وقضاء والده الظالم؟ بالتأكيد، إن هنيبعل نفسه لن يُجيز مقارنة كهذه. لكن هل يُعقل أن تقف السياسة حجر عثرة دون ترك القضاء لهنيبعل القذّافي لتصبح المقارنة مسموحة؟
لقد بدأت القضية بعد تقديم عائلة الإمام الصدر طلباً للاستماع إلى القذافي كشاهد في ١٢ كانون الأول عام ٢٠١٥، أي بعد يوم على تسليمه للقضاء اللبناني إثر خطفه من سوريا. في الجلسة التي حدّدها المحقق العدلي له كشاهد، باعتبار أنّه ليس مطلوباً للقضاء اللبناني، روى القذافي مضمون عشرين صفحة عن تفاصيل جريمة إخفاء الصدر ورفيقيه، لكنه لم يُقدّم أي اسم. ولدى سؤاله من قبل المحقق العدلي عن الأسماء، أجاب بأنّه لن يخبره أي معلومة إضافية ما دام موقوفاً. عندها ادّعى عليه حمادة بجرم كتم معلومات واستجوبه كمدّعى عليه. جدد القذافي موقفه الرافض للإدلاء بأي معلومة. عندها أصدر القاضي حمادة مذكرة توقيف وجاهية بحقه. هذه الرواية قدّمها مصدر مقرّب من لجنة متابعة قضية الإمام الصدر. وردّاً على سؤال رفض إخلاء سبيله، ما دام لا يوجد دليل يُثبت تورطه، قال المصدر: «هناك نصّ بأنّ كل دعوى أمام المحقق العدلي يُستثنى منها إخلاء السبيل الحكمي». ويسأل: «هل يُعقل أن يرضخ القضاء لمساومة القذافي؟ أليس من الأولى بوكلاء الموقوف السير بالمحاكمة بدل تعطيلها؟ ما المصلحة من ترك القذافي وقد قال بلسانه إن يملك معلومات؟».
رغم ما سبق ذكره، اتهمت وكيلة القذّافي الأولى بشرى الخليل السياسة. المحامية التي عُيِّنت للدفاع عن ابن الزعيم الليبي الراحل تقدمت بدفعٍ شكلي بعد استجواب موكّلها، ثم طلبت نقل الدعوى من المحقق العدلي حمادة للارتياب. لم يحدث ذلك، وعبر رحلة كباش طويلة، قرر موكّلها عزلها بين شهري آب وأيلول. توكّل بديلاً منها المحامي أكرم عازوري. الأخير قدّم دفعاً شكلياً، ثم أعلن اعتزاله في مؤتمرٍ صحافي. القاسم المشترك بين الوكيلين اتّهامهما القضاء بالرضوخ للسياسة واعتبار التوقيف غير شرعي. وفي هذا السياق، يعلق مصدر قضائي متابع للقضية بالقول: «أليس الدفع الشكلي وسيلة للمماطلة أحياناً؟ لماذا يؤخر محامو القذافي استجوابه بدلاً من تسريع الجلسة؟ ألا يُذكر ذلك بما يلجأ إليه نعيم عبّاس لتعطيل الجلسات؟».
الوكيل السابق للقذافي أكرم عازوري يقدم سرداً مختلفاً، إذ يقول: «لمّا بيطلع قرار سياسي بتوقيف شخص مخطوف من سوريا، غير مطلوب من القضاء اللبناني، في ملف الإمام الصدر الذي صدر فيه القرار الاتهامي عام ٢٠٠٨ ولم يأتِ على ذكر هنيبعل، وفوق ذلك يُطلق سراح الخاطف ويحاكم المخطوف، من الطبيعي أن يكون هناك مشكلة». عازوري اعتبر أنّ «الدولة اللبنانية لم تدافع عن قضائها إثر ادعاء عائلة الصدر لإبقاء الملف بيد القاضي حمادة، إنما تواطأت عليه. لذلك اعتزلت كي لا أُشرِّع التوقيف». عازوري قال لـ «الأخبار»: «لا أقبل أن يتحوّل قضاؤنا إلى عصابة. وجودي في الملف يعطي مصداقية لعملية استمرار الخطف. ووجودي كوكيل هو تواطؤ على هنيبعل القذافي. ويُخلّ بقسمي كمحامٍ». وأضاف: «قلت للقذافي أنت موقوف لأن اسمك هنيبعل معمر القذافي. لكن الاسم ليس جريمة يعاقب عليها القانون. لذا اعتزلت بالتوافق معه».
أمام ما تقدم، لا يوجد أمام القضاء سوى خيارين: إما كشف المعلومات التي يكتمها القذافي، أو إطلاق سراحه فوراً لعدم وجود أي دليل ضده، وخاصة أنه لم يكن يبلغ من العمر عند وقوع جريمة إخفاء الإمام الصدر ورفيقيه إلا أقل من 3 أعوام.