IMLebanon

أَما آن للفراغ أن يترجَّل؟

شئنا أم أبينا، اعترفنا أم تهرَّبنا، بات الفراغ الرئاسي هو كل الهواجس، وكل الهموم، ومعظم الأسباب التي تحمل الناس شباناً وشيباً على التفكير في “حل الهجرة”.

كثيراً ما فوجئت بأقرباء، وأنسباء، وأصدقاء من مختلف الأعمار يهمسون بمخاوف لم يعرفوها من قبل، وهي التي تحرّضهم على حصر أفكارهم باختيار الحقيبة الجاهزة، وجواز السفر “المسلَّح” بثلاث أربع تأشيرات.

حتى بتُّ مقتنعاً أن لا شيء أخطر على لبنان، في هذه المرحلة تحديداً، من هذا الفراغ الذي لا يوحي إلا بالهواجس والكوابيس…

إذاً، أصبح الفراغ هو الهم والأزمة والشيطان الذي يوسوس للبنانيّين بشتّى الاحتمالات. وخصوصاً بعد شموله كل المؤسَّسات الدستورية، وانطلاقاً من شلل مجلس النواب، مروراً بتعطيل عمل الحكومة، بلوغاً مختلف الدوائر الرسمية الحسَّاسة.

لا اخترع البارود في العودة إلى هذا “الغول” الذي يُدعى الفراغ الرئاسي. لقد قيل فيه أكثر مما قيل في حروب الآخرين التي استوْلَدت حروب قايين وهابيل لبنان. إلا أنني أريد أن أُثني على موقف البطريرك الماروني بشارة الراعي، وكلام الرئيس نبيه بري.

فكلاهما شدَّد على أن المبادرة الرئاسيَّة جديَّة، ومدعومة دوليّاً، ومن واجب التكتُّلات السياسيَّة والكتل النيابية مقاربتها لتدارسها والتوصّل إلى قرار وطني في شأنها، “وإهداء البلاد رئيساً للجمهوريّة”.

واقع الحال، وبعد تعثّر العديد من محاولات ملء الفراغ، يقول لنا بمنتهى الصراحة إننا كلبنانيّين أمام امتحان تاريخي. وربما أمام تجربة قاسية وبالغة الخطورة لم يعرف مثلها لبنان من قبل. لا محاولات التجديد شكَّلت هزَّة مباشرة، وبهذا القدر من الروافد المشجّعة المقيمة أو المشتعلة في الجوار القريب كما البعيد. ولا حفلات التمديد التي تمّت قسراً، وبغض طرف من الدول المعتبرة ضمن أصدقاء لبنان ونظامه الديموقراطي البرلماني…

يوميّاً أسمع عبر الهاتف وأقرأ ضمن الرسائل أسئلة تعبِّر بسهولة وبساطة عن الخيبة شبه الشاملة من القيادات، والمرجعيّات، والسلطات، والمتزعِّمين، وأولئك الذين يتصدّرون الواجهات والصفوف الأولى، وعندما يكون في الأمر مكاسب ومسالب.

أُسقطت ثقة كثيرين من اللبنانيّين بالعديد ممّن منحوهم ولاءهم، ومحَضوهم ثقتهم… وعلى البياض، وعلى الوعد يا كمّون: لبنان اليتيم هو الذي أعطاكم ما أنتم تنعمون به وتتبغددون، فيما أنتم تردُّون له الجميل والعطاء بالنكران، واللامبالاة، واللااهتمام لما يتعرَّض له من فراغٍ متعمَّد وتسيُّب لم يعد موجوداً حتى في غابات أفريقيا. لقد فُتح الباب الذي كانت “الارادات الخارجيَّة”، بل المصالح الخارجية توصده. ووصلها حقَّها من احتجاز لبنان لديها كـ”ورقة” مفيدة في المفاوضات.

فماذا ينتظر حلفاء الارادات والمصالح الخارجية ليبقّوا البحصة؟

أما آن للبنان الفراغ أن يترجَّل؟