هل يجوز في بلد على مستوى لبنان من التقدم تعليق مصير الحكومة على معالجة مأساة النفايات؟
وماذا يحصل اذا تحولت الحكومة هيئة لتصريف الاعمال فتصير عملية تسيير شؤون الدولة في ايدي المديرين العامين؟
اسئلة لا بد من طرحها، خصوصاً ان معالجة النفايات ليست من القضايا المستعصية، اذا كانت ثمة نية حقيقية لتنفيذ الحل.
البيئيون يعبرون عن مواقف رافضة للمطامر، ولا يطرحون في المقابل حلولاً مقنعة. واستناداً الى تعداد المؤسسات القائمة لمعالجة النفايات والتي تزودناها (باستثناء معمل صيدا الفعال والذي يشغّله القطاع الخاص) بتمويل واشراف تنفيذي من هيئات الاتحاد الاوروبي، يبدو امكان المعالجة متاحاً.
لقد عرضنا في مقال سابق ان معمل الكرنتينا الذي تساوي طاقته 1200 طن يوميًا يمكن تجهيزه للانتاج خلال ثلاثة أشهر، والتأكيد من رئيس الشركة التي انجزته أول التسعينات.
لنفترض ان عقد ترميم هذا المعمل وترفيع تجهيزاته ينجز خلال فترة قصيرة، وان طاقته على الانتاج تستعاد خلال أربعة أشهر على الاكثر، تصبح لدينا في حال تشغيل المعمل على دورتين في اليوم بدل دورة واحدة طاقة لمعالجة 2400 طن يومياً وهذه تتجاوز معدل تراكم نفايات بيروت بما يساوي 600 طن على الاقل.
اذا شغلنا معمل صيدا الحديث بطاقته البالغة 500 طن يومياً، وقد قارب معالجة 380 طن يومياً، واضفنا الى هذه الطاقة قدرة معمل النبطية الذي بدأ تشغيله، ومعمل بعلبك الذي هو أيضاً قيد التشغيل، تتوافر لدينا طاقة يومية تتجاوز الـ3000 طن، والكميات المتحصلة يومياً لا تزيد على هذا الرقم.
يبقى هنالك سؤالان لا بد من التصدي للاجابة عنهما.
ماذا نفعل خلال الفترة الفاصلة عن اعادة تشغيل معمل الكرنتينا، والتي نقدرها في حال الاسراع في التعاقد لاعادة تأهيل المصنع، بأربعة أشهر على الاكثر؟
لا بد من طمر النفايات المترسبة من الاهمال والعجز الحكومي حتى تاريخه، وربما باتت هذه على مستوى 480 الف طن ذلك ان مدة التوقف عن المعالجة السابقة مستمرة منذ أواسط شهر تموز 2015، ويضاف اليها التراكم اليومي بمعدل 2000 طن، فاذا حققنا طمر 6000 طن يوميًا علينا التحسب لانقضاء أشهر قبل بدء معالجة كامل كمية النفايات.
والتكاليف قد تكون مرتفعة خلال الاشهر الاربعة الاولى، لكن عملية معالجة النفايات اليومية بعد ذلك توفر لنا منافع اقتصادية كبيرة، منها انه يتحصل من معالجة النفايات الحديثة – أي 3000 طن يوميًا، أو ما يعادل 1,1 مليون طن سنوياً – أكثر من 100 الف طن من السماد. ومعمل صيدا يصدر نسبة 20 في المئة من كميات النفايات التي يعالجها على شكل اسمدة وحبوب بلاستيكية تستعمل في تصنيع قناني المياه المعدنية. ويمكن ان تتوافر للبنان طاقة كهربائية تكفي حاجات الانارة العامة لبيروت وصيدا والنبطية وبعلبك، وفي ما بعد، زحلة وطرابلس.
تبدو هذه النتيجة كأنها من نسج الخيال، والا فما معنى دعوة مجلس الانماء والاعمار الى انشاء محارق تقدر تكاليفها بـ500 مليون دولار، والفترة المطلوبة لتشغيلها تقدر بأربع سنوات. هل يا ترى هذه خطة التحسب للمستقبل وهل هنالك مناهج أفضل؟ اننا نرى ان الخيارات الافضل متوافرة.
هل صار هنالك غشاء أسود يمنع النور عن عيون المعنيين وضمائرهم. الصورة التي نعيشها تبدو كأنها توحي بان الحلول الممكنة غير مرغوب فيها لان تكاليفها معقولة ونتائجها قابلة للتحقيق في وقت قصير.
الجدل المستمر حول مشكلة النفايات، الذي سمم المناخ السياسي واثقل على آمال اللبنانيين في العيش الكريم ما هو إلاّ تعبير واضح عن عجز الطاقم السياسي عن ادارة أبسط شؤون البلد، وتوفير نسبة من الأمان الصحي للمواطنين. أما التحسّن للمستقبل الذي يمثل السؤال الثاني، فتبدو هنالك معالم واضحة لمعالجة تخالف اقتراح المحارق المكلفة.
معمل العمروسية هو أيضاً قابل لإعادة التشغيل بعد انجاز اعمال تجهيزية وتطويرية وهذا المعمل يضيف طاقة 1200 طن يومياً، وان شغّل كما معمل الكرنتينا على دورتين يومياً، يمكن تحقيق طاقة توازي 2400 طن وتالياً قد نستطيع حينئذ الاطمئنان الى معالجة النفايات سنة عام 2025.
واذا نظرنا الى المستقبل الابعد يمكننا تصور تشغيل معامل قائمة في زحلة وطرابلس تضيف الى معمل بعلبك ما يوازي 600 – 650 طنًا من الطاقة اليومية، ونتائج تشغيل المعامل القائمة والتي يمكن تشغيلها من جديد توفر للبنان مداخيل من تصدير الاسمدة وحبيبات البلاستيك واضاءة الشوارع العامة في المدن ما يعوضنا ويسمح لنا بخوض خبرات الدول المتقدمة في مجالات معالجة النفايات.
وقد توافرت لنا دراسات متنوعة من خبراء هولنديين وعلماء لبنانيين، لكن الواقع المأساوي في لبنان ان كبار المسؤولين لا يقرأون وان هم بذلوا الجهد المطلوب سرعان ما يتعبون، فهم منشغلون أولاً واخيراً بالعبث السياسي وتحميل اللبنانيين نتائج اخطائهم سواء في نطاق معالجة النفايات، اختناق السير، امدادات المياه، قضية الكهرباء والبيئة في مفهومها الواسع. وقد تعهدنا دوليًا خفض معدلات التلوث بنسبة 30 في المئة بحلول سنة 2030، أي بعد 15 سنة، فهل من يصدق؟