IMLebanon

هل من مخطط لوصاية دولية جديدة على لبنان؟

شيئاً فشيئاً، تفقد الصورة الكثير من غموضها البنّاء، وتبدأ الأمور بالتبلور أكثر فأكثر.

لم يعد بالإمكان مقاربة التحرّكات الشبابية المطلبية التي تضجّ بها الساحة اللبنانية هذه الأيام من بوابة البراءة والعفوية اللتين ميّزتا انطلاقتها، من دون شكّ، ولم يعد بالإمكان القول أنّ القصة محصورة بمجتمعٍ مدنيٍ غير مرتبطٍ بأحد ضاق ذرعًا من ممارسات سلطةٍ فاسدةٍ ومستبدّة، فقرّر أن يثور عليها بكلّ ما أوتي من قوة، ومهما كانت النتائج والأثمان..

صحيح أنّ المطالب التي يرفعها المجتمع المدني محقّة ومشروعة بل هي تعبّر بشكلٍ أو بآخر عن آلام كلّ فئات وشرائح الشعب اللبناني، بغضّ النظر عن الانتماءات السياسية والطائفية والمذهبية، ولكنّ الصحيح أيضًا أنّ الكثيرين من أصحاب «الأجندات الواضحة» تسلّقوا هذا الحراك وعرفوا كيف يحيدونه عن وجهته الصحيحة وبوصلته السليمة..

ولعلّ ما يعزّز هذا الاتجاه يكمن بكلّ بساطة في «رائحة التدويل» التي بدأت تنبعث وتعلو حتى على «رائحة الفساد» التي دفعت عشرات الآلاف من المواطنين الصادقين إلى النزول إلى الشوارع للتعبير عن غضبهم بل «قرفهم» من الحالة التي وصلت إليها البلاد، رائحة كان مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان «شرارتها الأولى»، حين دعا لجلسةٍ «طارئة» لمجلس الأمن تُخصَّص للبحث في الشأن اللبناني.

ولأنّ لـ «العزيز جيف»، كما يحلو لبعض اللبنانيين وصفه، صولاتٍ وجولاتٍ في الداخل اللبناني، فإنّ صدور الدعوة عنه بالذات لم يكن «بشرة خير» بالنسبة لأحدٍ، الأمر الذي دفع إحدى الحملات المدنية، وتحديدًا حملة «بدنا نحاسب»، للتبرؤ من دعوته بوصفها «تدخلاً سافراً في الشأن اللبناني»، وإن تسرّب أنّ هذا الموقف لم يكن مشتركًا بينها وبين جمعيّاتٍ أخرى منخرطة في الحراك القائم، بل إنّ بعضها استبشر خيرًا بهذه الدعوة، بوصفها ستكون «السبيل» إلى «التغيير» المنشود.

برأي مصادر سياسية، فإنّ دعوة فيلتمان لم تفعل سوى زيادة «الريبة» التي بدأت بالبروز في الأيام القليلة الماضية من الحراك والسيناريوهات المحيطة به، خصوصًا أنّ وثائق «ويكيليكس» شاهدة على «إقرار» السفير الأميركي السابق في لبنان بأنّ بلاده أنفقت ما يزيد على نصف مليار دولار لتشوية صورة المقاومة. وتسأل المصادر في هذا السياق: «لماذا لا يكون هذا الحراك جزءاً من هذا المخطّط التشويهي، الذي تثبّته بعض الشعارات التي يتمّ التركيز عليها في المظاهرات، وأولها «كلن يعني كلن» الذي لا يعمّم الفساد على كلّ المسؤولين الوطنيين منهم كما الفاسدين فحسب بل يتركّز على ضمّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله إلى جوقة الفاسدين في مخططٍ مريبٍ ومشبوهٍ؟ وهل نقلت الولايات المتحدة ثقلها من قياديي الرابع عشر من آذار الذين فشلوا في المهمّة إلى المجتمع المدني لعلّه وعساه ينجح؟»

وبعيداً عن نوايا فيلتمان، المُعلَنة منها والخفيّة، فإنّ المصادر تنبّه إلى أنّ «تدويل» الحراك لا يخدمه، بل على العكس من ذلك، فهو يزيد من قلّة الثقة به وبقيادته المجهولة، خصوصًا أنّ التجارب اللبنانية مع «التدويل» لا توحي بالخير أبدًا، وتذكّر بأنّ المنحى نفسه أخذته قوى الرابع عشر من آذار قبل عشر سنواتٍ حينما لم تتردّد في «استجداء» التدخل الخارجي تارة تحت ستار محكمةٍ دوليةٍ تبيّن بوضوح أنّ العدالة ليست في صدارة اهتمامها، بل إنّها أداة تسير وفق أهواء السياسة، وتارة تحت خانة التهويل بفصلٍ سابعٍ وما شابه، وهو ما يُخشى من أن يكون له تداعياتٌ كارثية على الوطن برمّته، خصوصًا إذا ما ارتقى ليكون بمثابة «وصاية دولية» جديدة على لبنان.

عمومًا، فإنّ هذا «التدويل» بدأ يسلك طريقه على ما يبدو، وكانت «النواة الأولى» لذلك من خلال حضور ملفّ لبنان على طاولة مجلس الأمن «من خارج جدول الأعمال»، حيث تمّ الاستماع إلى إحاطةٍ من المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان سيغريد كاغ حول الوضع المستجدّ في البلاد في ضوء التظاهرات التي شهدتها في الأيام الأخيرة، ليخرج بعدها رئيس المجلس للشهر الحالي المندوب الروسي فيتالي تشوركين بعناصر بيان أكد دعم وحدة لبنان وسيادته واستقراره واستقلاله، كما تأييد الحكومة اللبنانية ورئيس الوزراء تمام سلام.

وسيُستكمَل هذا «التدويل» من خلال اجتماعٍ للمجموعة الدولية لدعم لبنان خلال الدورة المقبلة للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أفادت معلومات أنّه سيُعقَد بمشاركة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ورئيس الوزراء تمام سلام، مع إمكان حضور وزراء الخارجية الأميركي جون كيري والروسي سيرغي لافروف والفرنسي لوران فابيوس والبريطاني فيليب هاموند والصيني وانغ يي، وذلك للخروج برسالةٍ وموقفٍ موحّدَين إزاء الوضع في لبنان.

وفيما تلفت المصادر إلى أنّ كلّ ذلك يأتي بالتزامن مع تسريب معلوماتٍ عن قوى خارجيّة بدأت تنشط بفاعلية في الداخل اللبناني وتسعى لأخذ حراك الشارع في اتجاهاتٍ محدّدة، الأمر الذي يزيد من علامات الاستفهام المطروحة، فإنّها تشدّد على أنّ المطلوب من جمعيّات المجتمع المدني إذا كانت تريد فعلاً الحفاظ على حراكها أن تسارع للتنصّل من كلّ أشكال الدعم الخارجي، حتى بشقّه المعنويّ، وإلا فهي ستصبح دون شكّ شريكة في سيناريو لم يعد خافياً على أحد ويقضي بإلحاق لبنان بدول الربيع العربي أو الفوضى الهدّامة بكلّ ما للكلمة من معنى.

بهذا المعنى، يصبح من واجب المجتمع المدني الذي يرفع لواء «الثورة» أن يكون في مقدّمة مقاومي مشروع «الوصاية الدولية» أو «الاستعمار الجديد»، وعدم «الانخداع» بعبارات الدعم التي لن تجد «ترجمة» لها، متى وقعت الواقعة وكثر «السلّاخون»..